كذب الإنسان على زوجته بأنه يحبها أكثر من ضرتها وللكذب في الصلح بين الناس كقوله إن فلانا يحبك مع علمه بأنه يبغضه، وهذا داخل في معنى الحديث من قوله:
وتقارب بينهم إذا تباعدوا.
وفي الحديث: ليس بالكاذب من يصلح بين الناس فيقول خيرا أو ينمي خيرا.
فإن قيل: فما معنى قوله تعالى:
* (ليسأل الصادقين عن صدقهم) *.
فإن الله تعالى سماه صدقا فكيف يسأل عنه؟
فالجواب أن المراد بهذه الآية الغيبة والنميمة ونحوهما إذا نقل العبد الكلام كما سمعه من غير زيادة منه وذكر أخاه المسلم بما فيه من السوء. فهذا، وإن كان صدقا، فيسأل عنه ويؤاخذ به، فما كل صدق حق إذ الصدق ما وقع والحق ما وجب فعله.
ومعلوم أن الغيبة والنميمة وأن كانتا صدقا لا يجوز فعلهما، إذ ما كل صدق يجوز فعله وذكره بخلاف الحق فافهم.
واختلفوا فيمن سئل عن شئ يلزم منه أذى لمسلم، كما إذا قال لنا ظالم أين فلان يعني حتى يظلمه بأخذ مال أو ضرب ونحوهما هل يصدق أو يقول لا أعلم طريقه، ويوري عن ذلك. فقال: بكل منهما قوم، والمختار جواز الكذب بل وجوبه.
وقد وقع للشيخ شهاب الدين بن الأقيطيع البرلسي رضي الله عنه أنه كان ينسج، فدخل عليه شخص من قطاع الطريق وجماعة الوالي وراءه يطلبونه، فقال للشيخ خبيني فقال ادخل تحت رجلي، فنزل فجاء جماعة الوالي للشيخ [فقالوا؟؟] هل رأيت فلانا؟
فقال نعم، فقالوا أين هو؟ فقال تحت رجلي فضحكوا وتركوه، وقال لقاطع الطريق: [الصدق؟؟] ينجي.
قلت: ولعل هذا خاص بمن له تصريف، وأما من ليس له من تصريف فليس له ذلك لئلا يضر الظلمة بأحد لأجل كلامه فيصير إثم ذلك عليه.
وسمعت سيدي عليا الخواص رضي الله عنه يقول: من كشف الله تعالى عن بصيرته رأى جماعة الولاة الذين يعاقبون الناس كالزبانية الذين يسحبون الناس في الآخرة إلى النار،