فضلا عن الحرام، وقد عد الأشياخ الصمت من أركان الطريق وأنشدوا:
بيت الولاية قسمت أركانه * سادتنا فيه من الأبدال ما بين صمت واعتزال دائما * والجوع والسهر النزيه العالي فمن أخلى بواحدة من هذه الأربعة لا يتم له حالة في الطريق.
فعلم أن من يريد العمل بهذا العهد يحتاج ضرورة إلى شيخ يسلك به حتى يفطمه عن شدة الميل إلى الشهوات، ويصير هو يقهر شهوته ويحكم عليها وهناك يقل كلامه ضرورة ويتكدر ممن يكثر عنده الكلام بغير فائدة.
فاسلك يا أخي على يد شيخ لتعمل بهذا العهد وإلا فمن لازمك الإخلال به، والله يتولى هداك.
وقد صبحت من رجال الصمت جماعة منهم شيخنا شيخ الإسلام زكريا والشيخ علي الخواص والشيخ محمد بن عنان والشيخ محمد المنير رحمهم الله، فكان وقتهم عندهم أعز من الكبريت الأحمر، وكل من تسلسل معهم في الكلام زجروه ولم يستحيوا منه ويقولون له قم ضيعت علينا الزمان.
وسمعت شيخنا شيخ الإسلام المذكور يقول لقاض جاءه يسلم عليه ويهنئه بالشهر وزاد في الكلام: قم أنت رسول الشيطان إلينا ثم ضرب له بالجريدة على الأرض، وقال: إن عدت تجئ على هذا الوجه أدبتك.
وقرأت عليه شرحه على رسالة القشيري كاملا فما أظن أنني سمعت منه كلمة لغو خالية عن علم أو أدب، وقد صحبته عشرين سنة وأنشدني يوما:
أحفظ لسانك أيها الإنسان * لا يلدغنك إنه ثعبان كم في المقابر من قتيل لسانه * كانت تهاب لقاءه الشجعان وسمعته يحكي عن الإمام الشافعي رضي الله عنه يقول: لا تتكلم بكلمة تنظر لها محلا مشروعا، فإن الكلمة كالسهم إذ خرج من القوس، وإذا خرجت الكلمة منك ملكتك ولم تملكها.
وسمعته رضي الله عنه يقول: حين قرأت عليه باب الصمت اعلم يا ولدي أن السلف الصالح ما ملكوا لسانهم إلا لكثرة الجوع، وقد أخطأ هذا الطريق جماعة من الناس الذين