الإنسان ربما يقول بلسانه نحن من أقل الناس نحن تراب، وإذا احتقره إنسان أو نقصه تضيق عليه الدنيا بما رحبت، فأين قوله نحن من أقل الناس؟ ولو أنه كان صادقا لرأى أن جميع ما نقصه المنقوصون دون ما يعرفه هو من صفات نفسه الخبيثة.
وقد عثرت من رجال التواضع الخلقي بجماعة في مصر المحروسة وصحبتهم، وانتفعت بصحبتهم، منهم شيخ الإسلام الشيخ نور الدين والطرابلسي والحنفي والشيخ شهاب الدين بن الشلبي المفتي الحنفي، والشيخ ناصر الدين الطبلاوي والشافعي، والشيخ ناصر الدين اللقاني المالكي، وشيخ الإسلام الشيخ شهاب الدين بن النجار الحنبلي، والشيخ نور الدين الطندتائي الشافعي، والشيخ شهاب الدين الرملي فهؤلاء هم الذين أطلعني الله تعالى على تواضعهم الخلقي الذي لا تفعل فيه. والفرق بين التواضعين أن التواضع الخلقي يرى صاحبه نفسه دون الناس حتى إنك لو أردت أن ترفعه عليك لا يرتفع عند نفسه أبدا.
وقد شهد النبي صلى الله عليه وسلم للشيخ نور الدين الطندتائي بالتواضع في واقعة رأيتها، وذلك أني رأيته قريبا في حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدما على مشايخه، فقال شخص يا رسول الله ما سبب قرب هذا منك ولم يكن أكثرهم علما ولا صلاة عليك فقال النبي صلى الله عليه وسلم قربه مني تواضعه.
وأما المتصوفة بمصر فما رأيت منهم أكثر تواضعا من الشيخ إبراهيم الذاكر رضي الله عنه المقيم بالجاولية بالقرب من جامع ابن طولون.
وقد كان الإمام أبو قاسم الجنيد يقول: لا يبلغ أحد درجة المتواضعين من أكابر العارفين حتى يرى أن نفسه ليست بأهل أن تنالها رحمة الله، وإنما رحمة الله له محض امتنان.
* (والله غفور رحيم) *.
روى مسلم وأبو داود وابن ماجة مرفوعا:
إن الله تعالى أوحى إلي أن توضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا ينبغي أحد على أحد.
وروى مسلم والترمذي مرفوعا: " " ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد إلا رفعه الله " ".