وقال له في أذنه يا سيدي أنت من ذوي المروءات ونخاف أن أحدا ينظرك فيعترض عليك، فكان الآخر يقول له جزاك الله تعالى عني خيرا، وكثيرا ما يأمر إنسان بمعروف أو ينهى عن منكر بغير سياسة فيحصل له ضرر ويصير يقول أنا الظالم الذي أمرت فلانا أو نهيته، ولكن تبت إلى الله إني ما عدت آمر بالمعروف أو أنهى عن المنكر فيجعل الواجب محظورا ويستغفر منه، وكل ذلك من قلة السياسة.
واعلم يا أخي أن الإجماع منعقد على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال الله تعالى:
* (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض) *.
وما قام الدين إلا بذلك، وقد ذم الله تعالى بني إسرائيل بقوله تعالى:
* (كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، لبئس ما كانوا يفعلون) *.
وقد جعل الشارع صلى الله عليه وسلم لتغيير المنكر ثلاثة طرق: اليد واللسان والقلب وكان سيدي علي الخواص رحمه الله يقول: تغيير المنكر باليد للولاة الذين إن ضربوا العاصي لا يقدر بضربهم، وتغييره باللسان للعلماء العاملين، فيأمرون الناس وينهونهم فيمتثلون قولهم، وتغييره بالقلب لكمل العارفين فيتوجه العارف إلى الله في كسر جرة الخمر، فتنفلق نصفين بنفسها والى الظالم فتيبس يده، التي يضرب بها ذلك المظلوم، فقلت له: إن الشارع جعل ذلك أضعف الإيمان فقال: " " جعله صحيح، لأن الإنسان كلما ارتفع عن حجاب الإيمان إلى حضرة الإحسان رق حجاب إيمانه فكنى عن تلك الرقة بالضعف بالنظر لمرتبة الشهود الواقع لأهل حضرة الإحسان، فليس المراد بضعف الإيمان الضعف المذموم، لأن صاحب هذا الحال قد ارتقى عن الإيمان خلف الحجاب إلى حضرة الشهود، كالذي كان مؤمنا بشئ من وراء حائط من زجاج ثخينة لا يرى أحد ما وراءها، فصارت ترق وتدق، حتى صارت كالبلور تحكي ما وراءها، فهذا معنى قوله " أضعف الإيمان " وأما على ما يفهمه غالب الناس من أنه ينكر بقلبه فليس ذلك بتغيير للمنكر، بل هو باق، والشارع قد صرح بأنه يغيره بقلبه وليس التغيير إلا ما ذكرناه من كسر جرة الخمر مثلا فافهم هذا، مع أنا نقول الإنكار بالقلب واجب على كل مسلم.
وكان سيدي إبراهيم المتبولي يقول لأصحابه: " " إذا رأيتم منكرا فغيروه بقلوبكم،