المنكر لربما انقاد الناس لهم، ومن هنا قالوا لا ينبغي لإنسان أن يعظ الناس إلا إن كان متعظا قبلهم، فلا يأمرهم بترك الدنيا ويزاحم هو عليها ولا يأمرهم بالصدقة ويبخل هو ولا يأمرهم بقيام الليل وينام هو، وقس على ذلك لأن رؤية الناس إلى أفعاله تحجبهم عن سماع مقاله، ولا يخفى أن ذلك أكثري لا كلي، فلا يلزم من عدم انقياد الناس للواعظ أنه غير عامل بعلمه، فإن الأنبياء عليهم السلام عاملون بعلمهم بالإجماع لعصمتهم، ومع ذلك فما أطاعهم وانقاد لهم إلا القليل، وإنما الانقياد راجع للقبضتين، والداعي جاء يميز بدعوته بين أهل كل قبضة لا غير، وليس بيده سعادة ولا شقاوة، قال تعالى:
* (وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين) *.
وكذلك الحكم في كل داع إلى الله إلى يوم القيامة، وقول الناس حصل لفلان خير ببركة سيدي الشيخ إنما هو أدب فقط مع ذلك الشخص ولو حققوا النظر لوجدوا ضرورة أكثر من نفعه على مصطلح فهمهم فإن أتباعه في الخير قليل ومخالف ذلك كثير فقد أضر بهم بإقامة الحجة عليهم عند الله تعالى، ولم يبق لهم عذر، ولو أنه لم يأمرهم ولم ينههم لربما قالوا: " " يا ربنا لم يأتنا نذير " "، ومن هنا قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي لما مدحوا أتباعه وكثرة نفعه: " " ضررنا أكثر من نفعنا والهالك من أتباعنا أكثر من الناجي لأننا نبين لهم فيخالفون فيهلكون، ومؤاخذة الإنسان بعد البيان أشد من مؤاخذته من غير بيان " "، فعلم أن الكامل من نظر ماله ليشكر الله وما عليه ليستغفر الله، وإن كانت أدلة الشريعة تشهد بأنه ليس على الداعي إثم من حيث كونه كان سببا لمؤاخذة من خالفه، وإنما ذلك من حيث أن ثم لنا مقاما رفيعا وأرفع فلا يقال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب فكيف يشرع لفاعله الاستغفار؟ لأنا نقول قد قال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:
* (إذا جاء نصر الله والفتح) * يعني فتح مكة. * (ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا، فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا) *.
فأمره بالاستغفار من حيث أم ذلك الجهاد والاشتغال بهداية الأمة اشتغال بالخلق في الجملة، فلما رقاه إلى الاشتغال بالحق دون الخلق استغفر من ذلك المقام، والى ذلك الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم:
" " لي وقت لا يسعني فيه غير ربي " ".