لا سيما منكرات الولاة والظلمة وجند السلطان، ولا تطلبوا تغييره باليد واللسان فيضربوكم، ونزل الشيخ مرة هو والفقراء تحت شجرة جميز بنواحي المطرية خارج مصر المحروسة فجاء جماعة من مماليك السلطان فنزلوا وأخرجوا جرار الخمر والأقداح، فقال بعض الفقراء يا سيدي نريد نكسر جرارهم فقال يضربوكم، علو حمار، ولكن إن كان لأحد منكم قلب فليتوجه إلى الله تعالى في كسر جرارهم، واشتغالهم ببعضهم فتوجه منهم فقير فانكسرت جرار الخمر، وظن كل واحد أن صاحبه كسر جرته، فتضاربوا بالسلاح حتى تجرحوا وركبوا يشتكون بعضهم بعضا لأستاذهم، فقال الشيخ هكذا فغيروا المنكر فإن مد اليد في هذه الدار ليس هو للفقير فإن مد يده قطعت.
وسمعت أخي أفضل الدين رحمه الله يقول: " " إني لأتعجب ممن يشتغل بإزالة منكرات الغير ولا يسعى في إزالة منكرات نفسه، ويهجر الغير لأفعال نفسه الرديئة وإن كان واجبا ولكن الله ذم من ينسى نفسه ويشتغل بأمر الخلق في قوله تعالى:
* (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم) *.
أي وهو أقرب الأشياء إليكم، وقال تعالى:
* (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) *.
وقد قالوا: تخلص من الغرق ثم اشتغل بأخذ يد غيرك مع وجوب عزمك حال غرقك أنك تأخذ بيد غيرك. وكذلك القول في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، اشتغل بأمر نفسك ونهيها وأنت عازم على أمر غيرك ونهيه وليس المحظور إلا أن تشتغل بنفسك وأنت عازم على أنك لا تأمر غيرك فأنت كمن خاف من أمره بمعروف أو نهيه عن منكر ثوران نفس المأمور أو المنهي وزيادته في المعصية، فمن السياسة أن تترقب له وقتا آخر وأيضا فإن من كان جالسا يشرب الخمر فصار يقول لإنسان آخر يشرب حرام عليك لا يؤثر قوله في ذلك الشارب بل يضحك عليه، ويقول له قل ذلك لنفسك وقد قال الشاعر:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله * عار عليك إذا فعلت عظيم ابدأ بنفسك فانهها عن غيها * فإذا فعلت كذا فأنت حكيم وهذا العهد يخل به كثير من الناس لأجل عدم سلامتهم من المنكر، فيخافون أن ينكروا منكرا فيقول الناس انهوا أنتم أنفسكم عن كذا وكذا، ولو أنهم سلموا من