رجال الطريق بابن أدهم والفضيل بن عياض تقوية لقلب المريدين لكون ابن أدهم والفضيل سبق لهما زمن قطيعة، فكان الشيخ بذلك يقول: إن من سبقت له العناية لا تضره الجناية، حتى لا يستبعد المريد الذي سبق له زمن قطيعة كثرة الفتح عليه من الله ومحو تلك الذنوب كلها.
وسمعته مرة أخرى يقول: كل من لم يذق من الفقراء مرارة القطيعة لا يعرف مقدار حلاوة الوصال، فكان من كمال حال الفقير الذي أراد الله أن يؤهله لتربية المريدين وإرشادهم وقوعه في بداية أمره ولو في نية المخالفات، وذلك ليصير عنده حلم على العصاة وصبر على تقويم عوجهم، وأيضا فإنه بوقوعه في المعصية يزول عنه الإعجاب بعمله ويعرف سعة حلم الله عليه، ويقوم بين يديه بالذل والإطراق والأدب الذي هو مهر دخول الحضرة الإلهية، ولو أنه لم يسبق له معصية لم يعرف ذلك وكان يسبق له مثل ما وقع في الإدلال على الله بعمله كما هو مشاهد فيمن تربى على التورع وعدم ابتلائه بشئ من القاذورات، فتراه يرى الخلق كلهم هالكين إلا هو، وهذا عين الكبر الذي أدخل الله به المتكبرين النار، ويؤيد ذلك حديث:
العابد الذي عبد الله تعالى في جزيرة في البحر خمسمائة سنة، وأن الله تعالى يقول له يوم القيامة: ادخل جنتي برحمتي، فيقول يا رب: بل بعملي، فيقول الله تعالى للملائكة: قايسوا بين عبادته الخمسمائة سنة، وبين نعمة البصر، ففعلوا، فرجحت نعمة البصر، فأمر به إلى النار، فقال يا رب: أدخلني برحمتك، فأدخله.
وسمعت أخي أفضل الدين يقول: حكم العاصي حكم الزبل الذي يوضع في أرض شجر الفواكه فيحليها ويطيب طعمها، أو كحكم الإنفحة للبن، فإنه مع حلاوته وطيب طعمه يحتاج إلى الإنفحة المنتنة الخبيثة الطعم لتثبته وتصونه عن الفساد، فعلى العاقل أن يتفكر في حكم مصنوعات الله عز وجل ويعطى كل فعل حقه على الميزان الشرعي.
وقد مكث شخص من أهل الجدال في سوق أمير الجيوش فصار ينكر على أهل السوق من تجار ودلالين ويحكم ببطلان بيعهم وشرائهم بأشياء لم ترد صريحة في الشريعة مما يخفى على كثير من الناس فشكوا ذلك لي بحضرة أخي أفضل الدين، فقلت لهم: