جند السلطان قايتباي من قنطرة الموسكي إلى مصر العتيق إلى الروضة ثم إلى الجيزة ثم إلى نواحي الأهرام وكان قد طعن في السن، فصار الجندي يسوق الحمار ويقول له الشيخ ارفق بي يا ولدي فإني عاجز فلا يسمع له، فلما وصل به إلى مكان ربيع الخيل طلب الشيخ منه كراءه فسحب الدبوس وضربه حتى كسر يديه وأكتافه، ورجع الشيخ فنام نحو شهر ضعيفا.
وأخبرني الشيخ نور الدين الشوني رحمه الله عن هذا المكاري بعينه أن شخصا قال له:
ركبني إلى مسجد الخلفا قريبا من قنطرة الموسكي بخط حارة عبد الباسط وأعطاه ثلاثة نقرة وكان مع ذلك الشخص قفة فيها سمك مقلي، فما مشي وراءه إلا يسير ثم قال له:
انزل هذا مسجد الخلفا فوجد الشخص نفسه على باب السلام بالمدينة المشرفة، فزار النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وزار البقيع والشيخ واقف ينتظره على باب السلام بالسمك، فلما خرج قال له إن شئت تقيم حتى يجئ الحاج وإن شئت ترجع معي، فقال:
أرجع معك، فرجع معه وشرط عليه أن لا يتكلم بذلك لأحد حتى يموت الشيخ، وذكر الشخص أن الشيخ حكى له واقعة الجندي الذي ركب حماره إلى ربيع الجيزة فقال له يا سيدي لو كنت مكانك لقتلت الجندي بحالي، فقال لا يا ولدي ما أمرنا الله تعالى في هذه الدار إلا بالصبر على ظلم الظالم وأن نرى ذلك من بعض ما نستحق.
وسمعت أخي أفضل الدين يقول: من كان مشهده مقام وأعوذ بك منك وظلمه ظالم فطريقه أن يلوذ بالله من تقدير الله فلا يستغني عن الحاجة إلى الله أحد، وتأمل سيد المرسلين محمدا صلى الله عليه وسلم كيف أمره الله تعالى بالاستعاذة بالله:
* (من شر ما خلق. ومن شر غاسق إذا وقب. ومن شر النفاثات في العقد.
ومن شر حاسد إذا حسد.) * و * (من شر الوسواس الخناس من الجنة والناس) *.
هذا مع علو مقامه صلى الله عليه وسلم على مقام جميع الخلق.
فاتبع يا أخي طريق الاقتداء ودر في الأبواب التي دخل منها الأكابر، ولا تطلب الوصول إلى غرضك من غير طريقهم فإنها كلها مسدودة، وقد علق الله الأسباب على المسببات وأحوج الخلق إلى الخلق وأحوج الجميع إليه شاءوا أم أبوا.
* (والله عليم حكيم) *.