فلما جربت ذلك في هلاك خصمي صرت أقابله ببعض الأذى صورة باللسان من غير قلب رحمة به وخوفا عليه من سطوات الحق حين ينتصر تعالى لي، وفي القرآن العظيم:
* (إن تنصروا الله ينصركم) *.
وقد جرب أن من غضب لله غضب الله لغضبه، ومن غضب حمية جاهلية لم يغضب الحق لغضبه لأنه لم يغضب لله خالصا.
وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: من قوى قلب أخيه على الصبر على من آذاه فقد نصره أيضا، وهو لائق بأهل الرياضات من الفقراء لا بكل الناس، فإن من يطلب أجره من الله ويعفو ويصفح قليل في الناس اليوم، وغالب الناس اليوم ليس قصدهم إلا أمور الدنيا وما رخص الله تعالى للخلق في مقابلتهم من أساء عليهم إلا تنفيسا لهم، أما من أقدره الله على كظم غيظه فترك المقابلة له أفضل بلا خلاف، مع أن رخصة المقابلة مشروطة بقدر ما يسكن به الغضب خوفا من إثارة فتنة أعظم من فتنة عدم المقابلة، فإن بعض الناس ربما يمنع من أن يقابل عدوه بالسيئة فيزداد حنقا ويقع منه الأذى لخصمه أضعاف ما آذاه به، ولما تأمل أهل الله تعالى في تسمية سيئة المجازاة سيئة تركوا المقابلة وقالوا: إذا قابلنا المسئ بقدر إساءته فماذا الذي تركناه من السوء؟ فنحن إذا من أهل السوء، وأيضا فإن الله تعالى إنما شرط في سيئة المجازاة المثلية تعريضا لعدم المؤاخذة، فإن المثلية لا تكاد توجد لتعذر مساواتها للسيئة الأصلية في التأثير والأذى وفي موافقة الألفاظ أو الأفعال أو الحاضرين ذلك المجلس وغير ذلك، فلذلك سارعوا إلى الصفح.
* (والله غفور رحيم) *.
روى أبو داود مرفوعا: " " ما من مسلم يخذل مسلم في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله تعالى في موطن يحب فيه نصرته، وما من مسلم ينصر مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته " ".
وروى أبو الشيخ ابن حبان مرفوعا: " " أمر بعبد من عباد الله أن يضرب في قبره مائة جلدة فلم يزل يسأل ويدعو حتى صارت جلدة واحدة فامتلأ قبره عليه نارا.