يخرج سالما من الإثم ومن تسليطهم عليه بضرب أو حبس أو تحويل نعمة. ولما وشوا بذي النون المصري وجئ به من مصر إلى بغداد، مقيدا مغلولا في محنة وقعت له مروا به على عجوز تسرح كتانا في مخزنها فقالت: ما هذه الكبكة، فقالوا لها إنهم أتوا بذي النون المصري إلى الخليفة ليقتله لزعم أهل مصر أنه أتلف عقائد الناس، فقالت العجوز: ائتوني به، فأتوها به، فقالت له: " " يا ذا النون إن أردت النصرة على من ظلمك بين يدي الخليفة فاستحضر عظمة الله تعالى، ومثل نفسك أنت والأخصام والخليفة بين يدي الله عز وجل وهو الحاكم، وإياك أن تخاف من الخليفة فيسلطه الله عليك، وإياك أن تجيب عن نفسك فيكلك الله إليها، بل اسكت وارض بعلم الله فيك، وانتظر ما ينطق الله تعالى به الخليفة في شأنك " "، فقال لها: نعم، فلما مضوا به إلى بين يدي الخليفة ادعى عليه أهل مصر بأنه زنديق أتلف عقائد الناس، فقال له الخليفة: ما تقول؟ فقال: " " ماذا أقول؟ إن قلت لا، كذبتهم وأنا أستحيي أن أكذب مسلما، وقد سافروا من مصر إلى هنا لتنصرهم علي وإن قلت نعم، كذبت نفسي وظلمتها وطالبني الله بها " ". فسكت الخليفة ثم قال: " " إن كان هذا زنديقا فما على وجه الأرض مسلم " "، ثم صنع له محفة وفرش له فيها نحو ويبة؟؟ من الذهب، وقال: " " أنفقه في سفرتك ولا تنسنا من دعائك " "، فمر ذو النون على العجوز وقال لها: جزاك الله عني خيرا.
وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: " " من لم يعطه الله التصريف في الظلمة بالعزل والتولية وتحويل النعم وتأثيره في أبدانهم فليس له الإكثار من الدخول عليهم في شفاعة ولا غيرها لا سيما في هذا الزمان الذي قد صار الفقير فيه عند الظلمة من أحقر الناس لا يقبلون له شفاعة إما لعدم مشى الفقير على قواعد الصالحين، وإما لعدم استحقاق الناس للشفاعة فيهم.
وقد صحبت أنا جماعة من الولاة على قدم الزهد فيما بأيديهم فلم يردوا إلي شفاعة إلى أن عزلوا أو ماتوا، فأحكم يا أخي مقام الزهد في أموالهم وهداياهم ثم ادخل عليهم ليلا ونهارا في الشفاعات لا يضرك ذلك إن شاء الله تعالى.
وقد شفع سيدي الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه في يوم مائة شفاعة عند السلطان وهو يرد ولا يقبل، فلما رجع مرة أخرى بعد المائة عرض عليه السلطان دراهم فردها، وأشار إلى مدورات حجارة كانت بين يدي السلطان فصارت ذهبا، فاستغفر السلطان من مخالفة الشيخ ورسم بقضاء جميع الحوائج التي يسأل فيها كلها.