فالتفتت زينب، فرأت رأس أخيها، فنطحت جبينها بمقدم المحمل وجعلت تقول:
يا هلالا لما استتم كمالا * غاله خسفه فأبدا غروبا - الخ. ثم إن ابن زياد جلس في القصر للناس وأذن إذنا عاما، وجئ برأس الحسين (عليه السلام) فوضع بين يديه. فجعل ينظر إليه ويتبسم، وبيده قضيب يضرب به ثناياه. وكان إلى جانبه زيد بن أرقم صاحب رسول الله وهو شيخ كبير قال: إرفع قضيبك عن هاتين الشفتين، فوالله الذي لا إله إلا هو، لقد رأيت شفتي رسول الله عليهما ما لا أحصيه يقبلهما (1).
ونحوه كلمات أنس بن مالك (2).
وفي رواية: كان ابن زياد يضرب بقضيبه أنف الحسين (عليه السلام) وعينيه ويطعن في فمه، فقال زيد بن أرقم - الخ (3).
ثم أمر فطيف برأس الحسين (عليه السلام) في سكك الكوفة كلها وقبائلها، فروي عن زيد بن أرقم أنه قال: لما مر به علي وهو على رمح وأنا في غرفة لي، فلما حاذاني سمعته يقرأ: * (أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا) * فقف (أي قام) والله شعري علي وناديت: رأسك يا بن رسول الله، أعجب وأعجب (4).
وعن بعض التواريخ: أرسل ابن زياد رأس الحسين (عليه السلام) إلى المدينة.
والأظهر أنه بعث به إلى يزيد، كما يأتي.
روى أبو مخنف عن الشعبي أنه صلب رأس الحسين (عليه السلام) بالصيارف في الكوفة فتنحنح الرأس وقرأ سورة الكهف إلى قوله: * (إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى) * فلم يزدهم ذلك إلا ضلالا. وأنهم لما صلبوا رأسه على الشجر سمع منه: * (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) * (5).
أحوال الرأس الشريف وقضاياه في طريق الشام: ثم إنه أرسل ابن زياد رأس الحسين (عليه السلام) مع أهل بيته إلى الشام في أربعين أو خمسين رجلا. ففي بعض