قلت: كيف شبهت السراب بما رأيت في منامك من أكلك الطعام الحلو والحامض وما رأيت من الفرح والحزن؟ قال: لأن السراب حيث انتهيت إلى موضعه صار لا شئ، وكذلك صار ما رأيت في منامي حين انتبهت.
قلت: فأخبرني إن أتيتك بأمر وجدت لذته في منامك وخفق لذلك قلبك، ألست تعلم أن الأمر على ما وصفت لك؟ قال: بلى. قلت: فأخبرني هل احتلمت قط حتى قضيت في امرأة نهمتك عرفتها أم لم تعرفها؟ قال: بلى، ما لا أحصيه.
قلت: ألست وجدت لذلك لذة على قدر لذتك في يقظتك فتنتبه وقد أنزلت الشهوة حتى تخرج منك بقدر ما تخرج منك في اليقظة؟ هذا كسر لحجتك في السراب.
قال: ما يرى المحتلم في منامه شيئا إلا ما كانت حواسه دلت عليه في اليقظة.
قلت: ما زدت على أن قويت مقالتي وزعمت أن القلب يعقل الأشياء ويعرفها بعد ذهاب الحواس وموتها، فكيف أنكرت أن القلب يعرف الأشياء وهو يقظان مجتمعة له حواسه وما الذي عرفه إياها بعد موت الحواس وهو لا يسمع ولا يبصر - إلى أن قال:
يعرف أن القلب مدبر الحواس ومالكها ورأسها والقاضي عليها، فإنه ما جهل الإنسان من شئ فما يجهل أن اليد لا تقدر على العين أن تقلعها، ولا على اللسان أن تقطعه وأنه ليس يقدر شئ من الحواس أن يفعل بشئ من الجسد شيئا بغير إذن القلب ودلالته وتدبيره، لأن الله تبارك وتعالى جعل القلب مدبرا للجسد، به يسمع، وبه يبصر، وهو القاضي والأمير عليه، لا يتقدم الجسد إن هو تأخر، ولا يتأخر إن هو تقدم، وبه سمعت الحواس وأبصرت، إن أمرها ائتمرت، وإن نهاها انتهت وبه ينزل الفرح والحزن، وبه ينزل الألم، إن فسد شئ من الحواس بقي على حاله، وإن فسد القلب ذهب جميعا حتى لا يسمع ولا يبصر.
قال: لقد كنت أظنك لا تتخلص من هذه المسألة وقد جئت بشئ لا أقدر على رده. قلت: وأنا أعطيك تصاديق ما أنبأتك به وما رأيت في منامك في مجلسك