كما أن المسألة هنا ليست مشمولة لاعراض المشهور حتى يقال بأن إعراض المشهور عن الخبر الصحيح يوهن اعتباره ويسقط حجيته كما عليه الامام الخميني وآخرون (1)، مع أن هذا محل بحث لدى الأصوليين، فالآخوند الخراساني والسيد الخوئي وغيرهم يذهبون إلى اعتبار الخبر حتى مع إعراض المشهور عنه (2).
ثم إنه قد وردت العديد من الروايات التي تفيد أن يتذكر المصاب بمصابه برسول الله صلى الله عليه وآله، فإن ذلك أعظم المصائب، وإنه لن يصاب بمصيبة أعظم منها (3)، وكانت مصيبة الزهراء عليها السلام هي نفس هذه المصيبة العظمى أي ارتحال الرسول الكريم صلى الله عليه وآله، وقد روى أبو القاسم علي بن محمد الخزاز القمي بإسناده إلى محمود بن لبيد قال: (لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله كانت فاطمة تأتي قبور الشهداء وتأتي قبر حمزة وتبكي هناك، فلما كان في بعض الأيام أتيت قبر حمزة رضي الله عنه فوجدتها صلوات الله عليها تبكي هناك فأمهلتها حتى سكنت، فأتيتها وسلمت عليها، وقلت يا سيدة النسوان قد والله قطعت أنياط قلبي من بكائك، فقالت: يا أبا عمر يحق لي البكاء، ولقد أصبت بخير الآباء رسول الله صلى الله عليه وآله، واشوقاه إلى رسول الله...) (4).
وروى الكليني بسندين صحيحين أحدهما عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، والاخر عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: (عاشت فاطمة بعد أبيها خمسة وسبعين يوما لم تر كاشرة ولا ضاحكة، تأتي قبور الشهداء في كل جمعة مرتين: الاثنين والخميس، فتقول: ههنا كان رسول الله صلى الله عليه وآله، ههنا كان المشركون) (5).
وروى ابن سعد والمزي عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: (ما رأيت فاطمة عليها السلام ضاحكة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم إلا أنه قد تمودي بطرف فيها) (6). وروى الخوارزمي بإسناده إلى أمير المؤمنين عليه السلام قال: (غسلت النبي في قميصه، فكانت فاطمة تقول: (أرني القميص، فإذا شمته غشي عليها، فلما رأيت ذلك غيبته) (7).