فبكى أبو بكر طويلا، فقال عمر الثانية: لا تمهل هذا المتخلف عنك بالبيعة، فقال أبو بكر لقنفذ: عد إليه فقل له خليفة رسول الله - وفي نسخة: أمير المؤمنين - يدعوك لتبايع، فجاءه قنفذ فأدى ما أمر به، فرفع علي صوته فقال: سبحان الله! لقد ادعى ما ليس له، فرجع قنفذ فأبلغ الرسالة، فبكى أبو بكر طويلا، ثم قام عمر فمشى معه جماعة حتى أتوا باب فاطمة فدقوا الباب، فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها:
يا أبت يا رسول الله، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة، فلما سمع القوم صوتها وبكاءها انصرفوا باكين وكادت قلوبهم تنصدع وأكبادهم تنفطر، وبقي عمر ومعه قوم فأخرجوا عليا) (1).
فهذا النص صريح في أن جميع من كان في بيت الامام علي عليه السلام قد خرج بعد تهديد عمر بإحراقه بمن فيه، وان الامام علي عليه السلام بقي في البيت وحده ورفض الخروج منه حتى يجمع القرآن، ولكن ذلك لم يشف غليل عمر فأصر على إحضاره للبيعة، وعندما لم تثمر محاولات أبي بكر عبر قنفذ لاحضاره قام عمر بنفسه ومعه جماعة وأخرج الامام علي عليه السلام من بيته.
رأي الطبري الامامي وروايته:
وأما إذا رجعنا إلى أهم المصادر الشيعية التي ذكرت الواقعة بشيء من التفصيل فإن الصورة ستتضح أكثر، وسينقشع ضباب هذه الشبهة تماما.
يقول محمد بن جرير الطبري الامامي: (إن أمير المؤمنين عليه السلام منعه من طلب الخلافة بعد فراغه من دفن رسول الله صلى الله عليه وآله وبعد أن توثب الظالمون فبايعوا أبا بكر أن المدينة كانت محتشية بالمنافقين وكانوا يعضون الأنامل من الغيظ، وكانوا ينتهزون - يهتبلون - الفرصة، وقد تهيأوا لها ووافق ذلك في شكاة رسول الله صلى الله عليه وآله وقبل وفاته، وعلي عليه السلام مشغول بغسل رسول الله وبإصلاح أمره ودفنه، فلما انجلت الغمة وبايع الناس أبا بكر من غير مناظرة أهل البيت قعد في منزله، وطلب الخلافة بلسانه دون سيفه، وتكلم وأعلم الناس حاله وأمره معذرا يعلم الناس أن الحق له دون غيره، وذكرهم ما كان رسول الله صلى الله عليه وآله عقد له، ثم رجع وقعد عن القوم، فصاروا إلى داره وأرادوا أن يضرموها عليه وعلى فاطمة عليها السلام نارا! فخرج الزبير بسيفه حتى كسروه) (2).
فهذا نص لا تعرض فيه لوجود أحد في الدار سوى الامام علي وفاطمة وابناهما صلوات الله عليهم بالإضافة إلى الزبير الذي خرج من الدار، فإذا ضممنا هذا النص إلى ما رواه الطبري في (دلائل الإمامة) من رواية الاعتداء فإن الحق سيسفر لذي عينين!