وماذا عن جلوس الله على عرشه! أما ما ذكره البعض من أن: (وفي الكتاب (أي في الاختصاص) أحاديث ربما تكون - من وجوه كثيرة - بغيرنا أشبه، ولحالهم أليق، وبنحلتهم أعلق، منها الحديث المروي عن جابر بن يزيد عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله تبارك وتعالى (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) قال: يجلسه الله على العرض معه. وهذا من الحديث المتشابه الذي لا يحيط به فهمي) (1)، ففيه:
أولا: إنه على فرض بطلان الحديث وعدم وجود وجه للتأويل فإن ذلك لا يضر في صحة نسبة الكتاب، وقد أشرنا سابقا إلى كلام السيد الخوئي (قدس سره) بخصوص ما أورد على كتاب سليم بن قيس من إشكال مشابه.
أما ثانيا: فإن نظائر هذا الحديث كثيرة في كتبنا، وهي لا تنافي ما عليه إجماع الامامية من أنه سبحانه وتعالى منزه عن الجسمية ولا يقبل شيئا من لوازمها كالحركة والحيز وغير ذلك، وكل ما جاء في القرآن أو الأحاديث فهو محمول على غير ظاهره بناء على رأي المعتزلة المؤولة أو محمول على ظاهره باعتبار المفهوم المأخوذ من مجموع الجملة أو كما يسمى ب (الاجراء بالمفهوم التصديقي لا التصوري) كما هو الحق.
يقول الشيخ السبحاني في توضيح هذا الرأي: (وحقيقة هذه النظرية أنه يجب الامعان في مفهوم الآية ومرماها مفادها التصديقي (لا التصوري) ثم توصيفه سبحانه بالمعنى الجملي المفهوم منها من دون إثبات المعنى الحرفي للصفات ولا تأويلها.
توضيحه: إن للمفردات حكما وظهورا عند الافراد، وللجمل المركبة من المفردات ظهورا آخر. وقد يتحد الظهوران وقد يتخالفان. فلا شك انك إذا قلت (أسد)، فإنه يتبادر منه الحيوان المفترس. كما انك إذا قلت (رأيت أسدا في الغابة) يتبادر من الجملة نفس ما تبادر من المفرد. وأما إذا قلت (رأيت أسدا يرمي) فإن المتبادر من الأسد في كلامك غير المتبادر منه حرفيا وانفرادا وهو الحيوان المفترس بل يكون حمله عليه، حملا على خلاف الظاهر. وأما حمله وتفسيره بالبطل الرامي عند القتال فهو تفسير للجملة بظاهرها من دون تصرف وتأويل. ولو سمع عربي صميم قول الشاعر:
لدى أسد شاك السلاح مجرب * له لبد، أظفاره لم تقلم فلا يشك في أن المراد من الأسد هو البطل المقدام المقتحم لجبهات القتال لا الحيوان المفترس. وكذا لو سمع قول القائل:
أسد علي وفي الحروب نعامة * فتخاء تنفر من صفير الصافر لا يتردد في نفسه بأن المراد هو الانسان المتظاهر بالشجاعة أما الضعفاء، الخائف المدبر عند لقاء الابطال. فلا يصح لنا أن نتهم من يفسر البيتين بالانسان الشجاع أو