هذا مضافا إلى ما سيأتي من أن الروايات التي تقابلها ليست فيها رواية واحدة متفق على صحتها حتى يؤخذ بها، وعلى فرض وجودها فلا يمكن الاخذ بها من دون النظر في دلالتها وما سيؤول إليه أمرها بعد التعارض.
مناقشة الاحتمال الثاني:
وأما الاحتمال الثاني والقول بأن هذه الروايات تتنافى مع القرآن والسنة فمردود أيضا لان القرآن الكريم يؤكد على أن جبرائيل تحدث إلى أناس لم يكونوا أنبياء كمريم عليها السلام، قال تعالى: (فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا * قال إنما أنا رسول ربك لاهب لك غلاما زكيا) (1)، وكذلك زوجة نبي الله إبراهيم تحدثت مع الملائكة كما أشارت إليه الآية 74 من سورة هود، قال تعالى: (... وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب)، ولم نر في السنة ما يخالف هذا المعنى بل جاء فيها ما يعضده، فقد روى الطبري عن الشريف أبي محمد يعضده، فقد روى الطبري عن الشريف أبي محمد الحسن بن أحمد العلوي المحمدي النقيب، قال: أخبرني أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى القمي (رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن موسى المتوكل، قال: حدثنا علي بن الحسن السعد آبادي، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، قال: حدثني الحسن بن عبد الله، عن يونس بن ظبيان، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (لفاطمة عليها السلام تسعة أسماء: فاطمة، والصديقة، والمباركة، والطاهرة، والزكية، والراضية، والرضية، والمحدثة، والزهراء) (2).
كما روى الشيخ الصدوق في كتابه علل الشرائع حول العلة التي من أجلها سميت فاطمة عليها السلام محدثة، عن أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا الحسين بن علي السكري، عن محمد بن زكريا الجوهري، قال: حدثنا شعيب بن واقد، قال: حدثني إسحاق بن جعفر بن محمد بن عيسى بن زيد بن علي، قال: سمعت أبا عبد الله الصادق عليه السلام يقول: (إنما سميت فاطمة عليها السلام محدثة لان الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران فتقول: يا فاطمة (إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين)، يا فاطمة (اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين)، فتحدثهم ويحدثونها، فقالت لهم ذات ليلة: أليست المفضلة على نساء العالمين مريم بنت عمران؟ فقالوا: إن مريم كانت سيدة نساء عالمها، وإن الله عز وجل جعلك سيدة نساء عالمك وعالمها، وسيدة نساء الأولين والآخرين) (3).