فقام معقل بن قيس فقال: إنك لا تبعث إليهم أحدا ممن ترى حولك من أشراف المصر إلا وجدته سامعا مطيعا، ولهم مفارقا، ولهلاكهم محبا، ولا أرى أصلحك الله أن تبعث إليهم أحد من الناس أعدى لهم وأشد عليهم مني، فابعثني إليهم فإني أكفيكهم بإذن الله، فقال: اخرج على اسم الله، فجهز معه ثلاثة آلاف رجل.
وقال المغيرة لقبيصة بن الدمون: ألصق لي بشيعة علي فأخرجهم مع معقل بن قيس، فإنه كان من رؤوس أصحابه، فإذا بعثت بشيعته الذين كانوا يعرفون فاجتمعوا جميعا استأنس بعضهم ببعض وتناصحوا، وهم أشد استحلالا لدماء هذه المارقة، وأجرأ عليهم من غيرهم، وقد قاتلوا قبل هذه المرة.
قال أبو مخنف: فحدثني الأسود بن قيس، عن مرة بن منقذ النعمان، قال: كنت أنا فيمن ندب معه يومئذ، قال: لقد كان صعصعة بن صوحان قام بعد معقل بن قيس وقال: ابعثني إليهم أيها الأمير، فأنا والله لدمائهم مستحل، وبحملها مستقل، فقال:
اجلس فإنما أنت خطيب، فكان أحفظه ذلك وإنما قال ذلك لأنه بلغه أنه يعيب عثمان بن عفان (رض) ويكثر ذكر علي ويفضله!
وقد كان دعاه فقال: إياك أن يبلغني عنك أنك تعيب عثمان عند أحد من الناس، وإياك أن يبلغني عنك أنك تظهر شيئا من فضل علي علانية، فإنك لست بذاكر من فضل علي شيئا أجهله، بل أنا أعلم بذلك! ولكن هذا السلطان قد ظهر وقد أخذنا بإظهار عيبه للناس، فنحن ندع كثيرا مما أمرنا به، ونذكر الشيء الذي لا نجد منه بدا، ندفع به هؤلاء القوم عن أنفسنا تقية، فإن كنت ذاكرا فضله فاذكره بينك وبين أصحابك وفي منازلكم سرا، وأما علانية وفي المسجد فإن هذا لا يحتمله الخليفة لنا ولا يعذرنا به، فكان يقول له: نعم أفعل، ثم يبلغه أنه قد عاد إلى ما نهاه عنه، فلما قام إليه وقال له: ابعثني إليهم، وجد المغيرة قد حقد عليه خلافه إياه فقال: اجلس فإنما أنت خطيب، فأحفظه فقال له: أوما أنا إلا خطيب! أجل والله، إني للخطيب الصليب الرئيس، أما والله لو شهدتني تحت راية عبد القيس يوم الجمل حيث اختلفت القنا، فشؤون تفرى وراية تختلى لعلمت أني الليث الهزبر، فقال: حسبك الان، لقد أوتيت لسانا فصيحا، ولم يلبث قبيصة بن الدمون أن أخرج الجيش مع معقل، وهم ثلاثة ألف نقاوة الشيعة وفرسانهم) (1).
تأثير البطش الأموي في كلام الشيخ المفيد:
وقال الشيخ المفيد (رضوان الله عليه):
(ومن آياته عليه السلام وبيناته التي انفرد بها ممن عداه ظهور مناقبه في الخاصة والعامة، وتسخير الجمهور لنقل فضائله وما خصه الله به من كرايمه وتسليم العدو من ذلك بما فيه الحجة عليه، هذا مع كثرة المنحرفين عنه والأعداء له، وتوفر أسباب دواعيهم إلى