مسنده بسند صحيح لكنه مرسل: (مريم خير نساء عالمها)، وإلى هذا ذهب أبو جعفر رضي الله تعالى عنه وهو المشهور عن أئمة أهل البيت، والذي أميل إليه أن فاطمة البتول أفضل النساء المتقدمات والمتأخرات من حيث أنها بضعة رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم بل ومن حيثيات أخر أيضا، ولا يعكر على ذلك الاخبار السابقة لجواز أن يراد بها أفضلية غيرها عليها من بعض الجهات وبحيثية من الحيثيات وبه يجمع بين الآثار، وهذا سائغ على القول بنبوة مريم أيضا إذ البضعية من روح الوجود وسيد كل موجود لا أراها تقابل بشيء، وأين الثريا من يد المتناول، ومن هنا يعلم أفضليتها على عائشة...).
ثم قال: (وبعد هذا كله الذي يدور في خلدي أن أفضل النساء فاطمة ثم أمها ثم عائشة، بل لو قال قائل إن سائر بنات النبي صلى الله تعالى عليه [وآله] وسلم أفضل من عائشة لا أرى عليه بأسا، وعندي بين مريم وفاطمة توقف نظرا للأفضلية المطلقة، وأما بالنظر إلى الحيثية فقد علمت ما أميل إليه، وقد سئل الامام السبكي عن هذه المسألة فقال: الذي نختاره وندين الله تعالى به أن فاطمة بنت محمد صلى الله تعالى عليه [وآله] وسلم أفضل ثم أمها ثم عائشة، ووافقه في ذلك البلقيني) (1).
وكلام الآلوسي فيه تحوير وتحريف لرأي السبكي، فإنه لا دلالة في عبارة السبكي على الأفضلية المقيدة بالحيثية التي ذهب إليها الآلوسي، بل هي أفضلية مطلقة وليس فيها أي إشارة للتقييد، بل لو كان في عبارة السبكي عبارة: (ولا أعدل ببضعة رسول الله أحدا) كما هو منقول عن ابن أبي داود، فليس في ذلك دلالة على الأفضلية المقيدة بل هو دليل أورده في المقام لا أكثر.
كلام أعلام السنة في تفضيل الزهراء عليها السلام:
ويقول السيد عبد الحسين شرف الدين (قدس سره الشريف) في كتابه الذي ألفه في خصوص هذا الموضوع.
(وقد وافقنا في تفضيلها جمهور من المسلمين، وصرح به كثير من المحققين، ونقل ذلك عنهم غير واحد من العلماء الباحثين المتتبعين، كالمعاصر النبهاني حيث قال في أحوال الزهراء من كتابه الشرف المؤبد ما هذا لفظه: وصرح بأفضليتها على سائر النساء حتى على السيدة مريم كثير من العلماء والمحققين، منهم التقي السبكي، والجلال السيوطي، والبدر الزركشي، والتقي المقريزي، قال: وعبارة السبكي حين سئل عن ذلك: الذي نختاره وندين به أن فاطمة بنت محمد أفضل، قال: وسئل عن مثل ذلك ابن أبي داود فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: (فاطمة بضعة مني) ولا أعدل ببضعة رسول الله أحدا، ونقل المناوي هذا عن جمع من السلف فراجع) (2).