ه - الآراء المتعددة حاول (فضل الله) أن يوحي بوجود آراء متعددة فيما جرى على الزهراء عليها السلام من اظلم، فهو يكرر أن هناك تفاصيل وقع فيها الخلاف، وكأن هذا الموضوع قد حصلت فيه مناقشات كثيرة وآراء متباينة وتبلورت في كل مرة منها إضافة منكر ومشكك آخر إلى جانبه، وكأنه قد راجع بنفسه جميع تلك الآراء وأحاط بالموضوع من كل زواياه!!
مع العلم إننا إذا ما استبعدنا رأيه الشاذ فإننا لا نشهد أي خلاف يذكر في هذا الموضوع، فهذا المحقق الكركي المتوفى سنة 940 ه يقول في رسالة عقدها لتعيين المخالفين لأمير المؤمنين عليه السلام: (ومن رؤوس أعدائه عمر بن الخطاب العدوي القرشي، وهو الفظ الغليظ الجأش الجاني، وأمر عداوته وإيذائه لعلي وفاطمة وأهل البيت عليهم السلام أشهر من الشمس) (1). ولا يخفى ما في عبارته من إشارة واضحة إلى قصة الاعتداء والهجوم على بيت الامام علي عليه السلام لان المحقق الكركي نسب إيذاء الزهراء عليها السلام إلى عمر ولم ينسبه إلى أبي بكر، ويؤيد ذلك أنه قرن إيذاءها بإيذاء أمير المؤمنين وهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين.
نعم قد يوجد في الروايات وكلمات العلماء التعرض لجزء من المأساة دون التعرض لجزء آخر لا بمعنى نفيه، وهذا كثيرا ما يحدث في كتب التاريخ وغيرها فإنك تجد مقطعا من حادثة معينة في هذا الكتاب، بينما يسلط مؤلف آخر الضوء على مشهد آخر من نفس الحادثة، ولا يضر ذلك بالانسجام والتوافق بين أجزاء الحادثة، فإن غرض كل مؤلف يختلف بحسب اختلاف الموارد والخصوصيات المستوجبة لذكر مقطع معين دون الآخر وإن كان المقطعان من حادثة واحدة.
والذي يدل على ذلك إن الشيخ الصدوق (رضوان الله عليه) وهو ممن تبنى مسألة إسقاط الجنين كما سيأتي يروي بنفسه في خصاله حديثا عن الامام الصادق عليه السلام جاء فيه: (وحب أولياء الله والولاية لهم واجبة، والبراءة من أعدائهم واجبة، ومن الذين ظلموا آل محمد عليهم السلام وهتكوا حجابه فأخذوا من فاطمة عليها السلام فدك، ومنعوها ميراثها، وغصبوها وزوجها حقوقهما، وهموا بإحراق بيتها، وأسسوا الظلم، وغيروا سنة رسول الله صلى الله عليه وآله، والبراءة من الناكثين والقاسطين والمارقين واجبة) (2).
فالشيخ الصدوق لم ير فيما رواه هنا من قصد القوم إحراق بيت الزهراء عليها السلام أي منافاة لما تبناه من اسقاط الجنين ولما رواه في كتاب الأمالي من الأحاديث المتعرضة لظلم الزهراء والاعتداء عليها، وذلك لوضوح ما ذكرناه من أن الرواية قد تكون أحيانا في صدد إثبات جزء من الواقعة لا كلها، هذا بالرغم من أن الاختلاف في بعض التفاصيل لا يضر في أصل الواقعة ما دامت محافظة على روحها ومؤيدة بالدليل والنص.