ومن كلام ابن أبي الحديد:
أما ابن أبي الحديد المعتزلي فقد أسهب في شرحه لنهج البلاغة هذا الجانب وبين مدى تأثير البطش والقمع الأموي في التستر على فضائل أهل البيت عليهم السلام وشيوع الأكاذيب والفضائل المختلفة لأعدائهم، ونحن ننقله بطوله لما فيه من تصوير دقيق للاحداث في تلك المرحلة. فقد قال:
(وقد روي أن أبا جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام قال لبعض أصحابه:...، ووجد الكاذبون الجاحدون لكذبهم وجحودهم موضعا يتقربون به إلى أوليائهم وقضاة السوء وعمال السوء في كل بلدة، فحدثوهم بالأحاديث الموضوعة المكذوبة، ورووا عنا ما لم نقله وما لم نفعله ليبغضونا إلى الناس، وكان عظم ذلك وكبره زمن معاوية بعد موت الحسن عليه السلام، فقتلت شيعتنا بكل بلدة، وقطعت الأيدي والأرجل على الظنة، وكان من يذكر بحبنا والانقطاع إلينا سجن أو نهب ماله أو هدمت داره، ثم لم يزل البلاء يشتد ويزداد إلى زمان عبيد الله بن زياد قاتل الحسين عليه السلام، ثم جاء الحجاج فقتلهم كل قتلة وأخذهم بكل ظنة وتهمة، حتى أن الرجل ليقال له زنديق أو كافر أحب إليه من أن يقال: شيعة علي عليه السلام، وحتى صار الرجل الذي يذكر بالخير - ولعله يكون ورعا صدوقا - يحدث بأحاديث عظيمة عجيبة، من تفضيل بعض من قد سلف من الولاة، ولم يخلق الله تعالى شيئا منها ولا كانت ولا وقعت وهو يحسب أنها حق لكثرة من قد رواها ممن لم يعرف بكذب ولا بقلة ورع.
تحديد المدائني لمراحل التنكيل والوضع في عهد بني أمية وروى أبو الحسن علي بن محمد بن أبي السيف المدائني في كتاب الاحداث قال:
المرحلة الأولى:
كتب معاوية نسخة واحد إلى عماله بعد عام الجماعة: (أن برئت الذمة ممن روى شيئا من فضل أبي تراب وأهل بيته)، فقامت الخطباء في كل كورة وعلى كل منبر، يلعنون عليا ويبرؤون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته، وكان أشد الناس بلاء حينئذ أهل الكوفة لكثرة ما بها من شيعة علي عليه السلام، فاستعمل زياد بن سمية وضم إليه البصرة، فكان يتتبع الشيعة وهو بهم عارف لأنه كان منهم أيام علي عليه السلام، فقتلهم تحت كل حجر ومدر وأخافهم، وقطع الأيدي والأرجل وسمل العيون، وصلبهم على جذوع النخل، وطردهم وشردهم عن العراق فلم يبق بها معروف منهم.
المرحلة الثانية: وكتب معاوية إلى عماله في جميع الآفاق: (ألا يجيزوا لاحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة). وكتب إليهم: (أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه وأهل ولايته، والذين يروون فضائله ومناقبه فأدنوا مجالسهم وقربوهم وأكرموهم، واكتبوا بكل ما يروي كل رجل منهم واسمه واسم أبيه وعشيرته).