موجودا فالتعارض مفقود، أي أنه لا تصل النوبة إلى باب التعارض حتى يبحث بعد ذلك عن أحكام هذا الباب من التساقط أو غير ذلك من المرجحات المذكورة فيه، فإن العرف عندما تلقى عليه هاتان الروايتان لا يرى وجود أي تعارض بينهما، بل يعتبر إن إحداهما تطبيق ومصداق للأخرى، ولذا لا نرى أي وجه لترديد فضل الله - كما جاء في كتاب الندوة - من أن الملك الذي كان يحدث الزهراء عليها السلام إما أن يكون جبرائيل أو ملك آخر، بل هو جبرائيل عليه السلام على نحو التحديد لصحيحة أبي عبيدة التي تكون قرينة دالة على المراد من الملك في الروايات الأخرى.
مناقشة الاحتمال الثالث:
أما الاحتمال الثالث وهو القول بوجود روايات مفسرة فإنه باطل لعدم وجودها، أما القول بوجود روايات تعارض نسبة المصحف إلى جبرائيل وترجح عليها فمردود أيضا:
بكثرة الروايات التي تنص على تحدث جبرائيل عليه السلام مع الزهراء عليها السلام ومن بينها روايات صحيحة سندا. وبأنه يمكن الجمع بينهما إذا قلنا بأن مصدر مصحف فاطمة هو جبرائيل عليه السلام والرسول الأكرم صلى الله عليه وآله معا، إلا أن فضل الله لا يفترض هذا الامر ويحصر الاحتمال في أمرين فقط فإما أن يكون جبرائيل قد حدثها أو لم يحدثها.
البحث في الامر الثاني أما بالنسبة للامر الثاني فيبدو أن عمدة ما يستند إليه فضل الله من القول بأن مصدر المصحف هو رسول الله صلى الله عليه وآله ثلاثة أسباب:
أولها: إن بعض الروايات تقول إنه إملاء رسول الله.
الثاني: إن الروايات متعارضة مع بعضها.
الثالث: عدم إمكان كون مصحف فاطمة ملهما من قبل الله تعالى للزهراء عليها السلام لاستلزام ذلك النبوة، وقد تعرضنا لتفنيد هذه الشبهة قبل قليل، ويبقى الكلام في السببين الأولين.
مناقشة السبب الأول:
أما فيما يخص السبب الأول فإن هناك عدة روايات تشير إلى أن مصدر مصحف فاطمة عليها السلام هو رسول الله صلى الله عليه وآله، وهي ما يلي:
1 - ما رواه محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن الحسين، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن حماد بن عثمان، عن علي بن سعيد، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال:
(... إن عندنا سلاك رسول الله وسيفه ودرعه، وعندنا والله مصحف فاطمة ما فيه آية من كتاب الله وإنه لاملاء رسول الله وخطه علي بيده) (1).
ورواة السند كلهم ثقات إلا علي بن سعيد فهو مشترك بين جماعة وجميعهم إما مهمل أو مجهول، والموثق الذي جاء بهذا الاسم لم يدرك الامام الصادق عليه السلام.