نعم قد يكون في كلام الحافظ الكنجي إشارة إلى ما نقلناه سابقا من كلام ابن شهر آشوب في المناقب أن ابن قتيبة ذكر في كتابه المعارف: (إن محسنا فسد من زخم قنفذ العدوي)، فإذا صح هذا التوجيه فهو يؤكد على وجود التحريف في كتابه، ويدل أيضا على محاولة الحافظ الكنجي تجنب التصريح في السبب الباعث على إسقاط الجنين إذ سيرتبط ذلك بمن أمر قنفذ العدوي بذلك. ولكن مع التنزل عن هذا التوجيه فان كلامه مجانب للحقيقة أيضا، لان إسقاط محسن عليه السلام ذكره غير ابن قتيبة كابن حجر والذهبي والشهرستاني. وكذلك من الخطأ ما ذكره محمد البدخشاني الحارثي (المتوفي بعد سنه 1126 ه) من أن المحسن (مات رضيعا) (1)، فان كلمات العلماء من أهل السنة الذين ذكروا استشهاد المحسن اتفقت إنه (مات صغيرا) من دون تحديد لفترة الوفاة.
الملاحظة الخامسة:
بما أن وفاه الشيخ المفيد (قدس سره) كانت سنه 431 ه فإننا نلاحظ أن كثيرا من علمائنا بل وعلماء أهل السنة قد ذكروا السقط محسن قبله، ومن المستعبد جدا أن يكون قد فاته ذلك إلى حين وفاته، فيفرض هذا السؤال نفسه: لماذا تحدث الشيخ المفيد عن أصل وجود السقط الشهيد محسن عليه السلام بشكل يثير التشكيك فيه؟ ولابد أولا من الإشارة إلى أنه قد جاء ذكر السقط محسن في روايتين من كتاب الاختصاص للشيخ المفيد، وقد مرت الإشارة إلى ان كثيرا من علماء الطائفة قد ذهبوا إلى صحه نسبه هذا الكتاب للشيخ المفيد، وعلى أي حال فقد جاء في الرواية الأولى في حديث فدك عن أبى محمد الحسن بن موسى، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام ما يلي: (فدعا - أي أبو بكر - بكتاب فكتبه لها برد فدك، فقال عليه السلام: فخرجت والكتاب معها، فلقيها عمر، فقال: يا بنت محمد ما هذا الكتاب الذي معك، فقالت: كتاب كتب لي أبو بكر برد فدك، فقال: هلميه إلي، فأبت أن تدفعه إليه، فرفسها برجله وكانت حامله بابن اسمه المحسن فأسقطت المحسن من بطنها ثم لطمها فكأني أنظر إلى قرط في أذنها حين نفقت، ثم أخذ الكتاب فخرقه فمضت، ومكثت خمسه وسبعين يوما مريضه مما ضربها عمر) (2). أما الرواية الثانية فقد أسندها الشيخ المفيد إلى أحمد بن محمد بن عيسى، عن أبيه والعباس بن معروف، عن عبد الله بن المغيرة، قال:
حدثني عبد الله بن عبد الرحمن الأصم، عن عبد الله بن بكر الأرجاني، قال: صحبت أبا عبد الله عليه السلام في طريق مكة من المدينة، وجاء في الرواية: (وقاتل أمير المؤمنين عليه السلام وقاتل فاطمة عليه السلام وقاتل الحسن والحسنى) (3). وهذه الرواية قريبه جدا إلى ما ذكره ابن قولويه في كامل الزيارات: ص 326 إلا أن الثانية تمتاز بطولها.