وقال: يا خالد، دونك هذا، فأمسكه خالد - وكان خارج البيت مع خالد جمع كثير من الناس، أرسلهم أبو بكر ردءا لهما - ثم دخل عمر فقال لعلي: قم فبايع، فتلكأ واحتبس، فأخذ بيده، وقال: قم، فأبى أن يقوم، فحمله ودفعه كما دفع الزبير، ثم أمسكهما خالد، وساقهما عمر ومن معه سوقا عنيفا، واجتمع الناس ينظرون، وامتلأت شوارع المدينة بالرجال، ورأت فاطمة ما صنع عمر، فصرخت وولولت، واجتمع معها نساء كثير من الهاشميات وغيرهن، فخرجت إلى باب حجرتها، ونادت: يا أبا بكر، ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله! والله لا أكلم عمر حتى ألقى الله...).
قال أبو بكر: وحدثني المؤمل بن جعفر، قال: حدثني محمد بن ميمون، قال:
حدثني داود بن المبارك، قال: (أتينا عبد الله بن موسى بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام ونحن راجعون من الحج في جماعة، فسألناه عن مسائل، وكنت أحد من سأله، فسألته عن أبي بكر وعمر، فقال: أجيبك بما أجاب به جدي عبد الله بن الحسن، فإنه سئل عنهما، فقال: كانت أمنا صديقة، ابنة نبي مرسل، وماتت وهي غضبي على قوم، فنحن غضاب لغضبها).
وقد علق ابن أبي الحديد المعتزلي على هذه الرواية الأخيرة بقوله:
(قد أخذ هذا المعنى بعض شعراء الطالبيين من أهل الحجاز، أنشدنيه النقيب جلال الدين عبد الحميد بن محمد بن عبد الحميد العلوي قال: أنشدني هذا الشاعر لنفسه - وذهب عني أنا اسمه - قال:
يا أبا حفص الهويني وما كنت مليا بذاك لولا الحمام أتموت البتول غضبى ونرضى ما كذا يصنع البنون الكرام يخاطب عمر ويقول له: مهلا ورويدا يا عمر، أي ارفق واتئد ولا تعنف بنا. وما كنت مليا، أي وما كنت أهلا لان تخاطب بهذا وتستعطف، ولا كنت قادرا على ولوج دار فاطمة على ذلك الوجه الذي ولجتها عليه، لولا أن أباها الذي كان بيتها يحترم ويصان لأجله مات فطمع فيها من لم يطمع. ثم قال: أتموت أمنا وهي غضبى ونرضى نحن! إذا لسنا بكرام، فإن الولد الكريم يرضى لرضا أبيه وأمه ويغضب لغضبهما.
والصحيح عندي أنها ماتت وهي واجدة على أبي بكر وعمر، وأنها أوصت ألا يصليا عليها، وذلك عند أصحابنا من الأمور المغفورة لهما...) (1).