وليس هذا عنه بغريب فقد عودنا على نظائرها في مواضع أخرى، ومنها ما استدل به من القرآن لاثبات عدم ذم أصل الضحك حيث قال: (من قال بأن الضحك غير جيد، كثرة الضحك تميت القلب، وإلا فالله يقول: (فليضحكوا قليلا) ليس معناها أنه لا يضحك أحد، لا، لازم دائما يتبسم المؤمن...) (1).
ومن يرجع إلى القرآن الكريم يجد أن المقطع السابق في قوله تعالى: (فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون * فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون) (2).
ولم نجد بين علمائنا من ذهب إلى ما ذهب إليه (فضل الله) من دعوة الآية إلى الضحك القليل، لان سياق الآية - وهي خطاب للمنافقين - يبطل هذا الاحتمال الغريب، قال الشيخ الطوسي (قدس سره): (ومعنى الآية أن يقال لهؤلاء المنافقين:
فاضحكوا بقليل تمتعكم في الدنيا فإنكم ستبكون كثيرا يوم القيامة إذا حصلتم في العقاب الدائم) (3).
وقال الشيخ الطبرسي: (هذا تهديد لهم في صورة الامر، أي فليضحك هؤلاء المنافقون في الدنيا قليلا لان ذلك يفنى وإن دام إلى الموت، ولان الضحك في الدنيا قليل لكثرة أحزانها وهمومها، وليبكوا كثيرا في الآخرة لان ذلك يوم مقداره خمسون ألف سنة وهم فيه يبكون، فصار بكاؤهم كثيرا) (4).
وقال العلامة الطباطبائي: (وأما حمل الامر في قوله: (فليضحكوا) وقوله:
(وليبكوا) على الامر المولوي لينتج تكليفا من التكاليف الشرعية فلا يناسبه قوله:
(جزاء بما كانوا يكسبون) (5).
وحقا إن تفسير (فضل الله) للآية الكريمة مما يبعث على الضحك! (وشر البلية ما يضحك). ومما ينبغي إدخاله في الطرائف والنوادر لا التفسير والتأويل ولا الاستدلال العلمي والاستنباط الفقهي!
ومن تختلط عليه الأمور ويتخبط خبط عشواء في مثل هذه القضايا السهلة الواضحة، كيف سيدلي برأيه في المسائل الصعبة والعميقة؟ وهل يحق أن يضع نفسه في مقام الافتاء والمرجعية ليستنبط الحكم الشرعي وينظر للأفكار والمفاهيم الاسلامية؟ (ورأيه دون الحداب يقصر)...!