قال (قدس سره):
(وقد بكى يعقوب إذ غيب الله ولده (وقال يا أسفاه على يوسف وابيضت عيناه من الحزم فهو كظيم) (سورة يوسف: الآية 84)، حتى قيل كما في تفسير هذه الآية في الكشاف، ما جفت عيناه من وقت فراق يوسف إلى حين لقائه ثمانين عاما وما على وجه الأرض أكرم على الله منه، وعن رسول الله صلى الله عليه وآله كما في تفسير هذه الآية من الكشاف أيضا: أنه سئل جبرائيل عليه السلام: ما بلغ وجد يعقوب على يوسف؟ قال: وجد سبعين ثكلى، قال: فما كان له من الاجر؟ قال: أجر مائة شهيد وما ساء ظنه بالله قط. قلت: أي عاقل يرغب عن مذهبنا في البكاء بعد ثبوته عن الأنبياء (ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه)... ومن وقف على كلام أئمة أهل البيت في هذا الشأن، لا يتوقف في ترتيب آثار الحزن عليهم مدى الدوران لكننا منينا بقوم لا ينصفون... فإنا لله وإنا إليه راجعون...
... وأما أئمة العترة الطاهرة الذين هم كسفينة نوح وباب حطة وأمان أهل الأرض وأحد الثقلين الذين لا يضل من تمسك بهما، ولا يهتدي إلى الله من صد عنهما فقد استمرت سيرتهم على الندب والعويل، وأمروا أولياءهم بإقامة مآتم الحزن جيلا بعد جيل، فعن الصادق عليه السلام - فيما رواه ابن قولويه في الكامل، وابن شهر آشوب في المناقب، وغيرهما - إن علي بن الحسين عليهما السلام بكى على أبيه مدة حياته، وما وضع بين يديه طعام إلا بكى، ولا أتي بشراب إلا بكى، حتى قال له أحد مواليه: جعلت فداك يا ابن رسول الله إني أخاف أن تكون من الهالكين، قال عليه السلام: (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون). وروى ابن قولويه وابن شهر آشوب أيضا وغيرهما إنه لما كثر بكاؤه قال له مولاه: أما آن لحزنك أن ينقضي فقال: ويحك إن يعقوب عليه السلام كان له اثنا عشر ولدا، فغيب الله واحدا منهم، فابيضت عيناه من كثرة بكائه عليه، واحدودب ظهره من الغم، وابنه حي في الدنيا، وأنا نظرت إلى أبي وأخي وعمومتي وسبعة عشر من أهل بيتي مقتولين حولي، فكيف ينقضي حزني...
وبكى - أي الامام الرضا - صلوات الله عليه إذ أنشده دعبل بن علي الخزاعي قصيدته التائية السائرة حتى أغمي عليه في أثناءها مرتين كما نص عليه الفاضل العباسي في ترجمة دعبل عن معاهد التنصيص وغيره من أهل الاخبار. وفي البحار وغيره:
إنه عليه السلام أمر قبل إنشادها بستر فضرب دون عقائله فجلسن خلفه يسمعن الرثاء، ويبكين على جدهن سيد الشهداء، وإنه قال يومئذ: يا دعبل من بكى أو أبكى على مصابنا ولو وحدا كان أجره على الله، يا دعبل من ذرفت عيناه على مصابنا حشره الله معنا... وروى الكشي بسند معتبر عن زيد الشحام قال: كنا عند أبي عبد الله عليه السلام فدخل عليه جعفر بن عثمان فقربه وأدناه، ثم قال: يا جعفر، قال: لبيك، جعلني الله فداك، قال: بلغني إنك تقول الشعر في الحسين عليه السلام وتجيد، فقال له: نعم، جعلني