والخلاصة أنه لا مانع من القول باشتمال مصحف فاطمة عليها السلام على وصيتها إلا أن ما هو موجود من الروايات الصحيحة لا يفي بذلك، وما قد يظهر منه ذلك ضعيف من الناحية السندية.
ومن المناسب الإشارة إلى أن بعض الروايات ذكرت أن الجفر يشمل كتاب الجامعة، وهو كتاب ورد ذكره كثيرا في الروايات، وهو من إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وخط علي عليه السلام وقد عبرت الروايات عن محتواه بأن (فيه جميع ما يحتاج الناس إليه حتى أرش الخدش)، ومن هنا فمن الممكن أن يكون منشأ الخلط عند فضل الله في اعتقاده أن مصحف فاطمة يحتوي على الاحكام الشرعية هو احتواء الروايات التي تحدثت عن الجامعة على جملة (إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وخط علي عليه السلام) فظن إن ذلك هو نفس مصحف فاطمة لان بعض روايات مصحف فاطمة ذكرت فيها هذه الجملة.
الروايات الموهمة لوجود الحلال والحرام في مصحف فاطمة:
نعم وردت روايتان توهمان أن محتوى مصحف فاطمة هو الاحكام الشرعية وهما:
الرواية الأولى: رواية الحسين بن أبي العلاء:
وهي الرواية السابعة التي مرت في هذا الفصل (محتوى مصحف فاطمة)، ورواها الكليني في الكافي بسند معتبر، غير أن المسألة قابلة للبحث من جهة مرجع الضمير هل هو للجفر أم لمصحف فاطمة، وسنورد الرواية مرة أخرى حتى يتضح أمرها، فقد روي عن الحسين بن أبي العلاء أنه قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إن عندي الجفر الأبيض، قال: قلت: فأي شئ فيه، قال عليه السلام: زبور داود وتوراة موسى وإنجيل عيسى وصحف إبراهيم والحلال والحرام، ومصحف فاطمة، ما أزعم أن فيه قرآنا، وفيه ما يحتاج الناس إلينا ولا نحتاج إلى أحد حتى فيه الجلدة ونصف الجلدة وربع الجلدة وأرش الخدش).
مناقشة مدلول الرواية:
قال العلامة المجلسي في مرآة العقول عند التعليق على هذا الحديث وإلى ما يرجع إليه الضمير: (لعل الضمائر كلها أو الأخيرين راجعة إلى الجفر لا المصحف، فلا ينافي الاخبار الدالة على أنه ليس في مصحفها الاحكام) (1).
وبناء على هذا فإن عبارة (ما أزعم أن فيه قرآنا) جملة اعتراضية في كلام الامام عليه السلام لبيان عدم احتواء مصحف فاطمة على القرآن ودفعا للتوهم الذي قد يوجد في ذهن المستمع عند استماعه لظاهر كلمة مصحف، ثم أكمل الامام عليه السلام الحديث حول ما يشتمل عليه الجفر بقوله: (وفيه ما يحتاج الناس إلينا...)، ولكن (فضل الله) في جوابه السادس لم يذكر هذه الرواية كاملة، وعندما بتر الحديث وفصله عما قبله حاول أن يستظهر اشتمال مصحف فاطمة على الحلال والحرام.