حتى إدا وقفت على جثث لكم * طالت عليها للضبا وقفاتها قدحت لكم زند العتاب فلم تجد غير السياط لجنبها هفواتها (1) وهذه الأبيات لتؤكد ما قاله الشهيد القاضي الطباطبائي من أن الشيخ كاشف الغطاء لم يمنع جميع أنواع الضرب حتى الذي كان بالسوط بل منع من أن تضرب الزهراء عليها السلام على وجهها بنحو يحصل منه لمس يد الأجنبي الأثيمة لوجهها الطاهر، وهو أمر كما قلنا لا استبعاد فيه، بل شهدت به الرواية.
وعلاوة على كل ما مضى فإن إقرار الشيخ كاشف الغطاء بكسر الضلع وإسقاط الجنين، وهي جرائم أكبر من مسألة الضرب يجعل التصديق بتحقق الضرب سهلا، بل إن تلك الجرائم ما كانت تحدث لولا الضرب على بدنها النحيل.
جواب الشبهة الثالثة وهي تندفع بما علق عليه الشهيد محمد علي القاضي الطباطبائي في هامش (جنة المأوى) تعليقا على قول الشيخ كاشف الغطاء (ولا أشارت إلى ذلك في شيء من خطبها): (لعل عدم إشارة الصديقة الطاهرة عليها السلام إلى أعمال القوم من الضرب واللطم وكذا عدم إشارة أمير المؤمنين عليه السلام إلى تلك الاعمال الصادرة منهم في حق الزهراء البتول عليها السلام إنما هو من جهة عدم الاعتناء لما صدر منهم من تلك الاعمال الرذيلة، فإن الأكابر والأعاظم من الرجال فضلا عمن هو في مقام العصمة والولاية لا يعبأون بما يصدر من الأراذل والأخسة في حقهم من الوهن وعدم رعاية الاحترام بمثل الضرب واللطم، فإن تلك الاشخاص في أنظارهم المقدسة كالانعام بل هم أضل. فهل ترى إن حيوانا إذا ركض شخصا جليلا أن يقابله بمثل عمله وسوء صنيعه؟ بل إذا خاطبهم الجاهلون بالأقوال الشائنة والافعال الشنيعة كالضرب واللطم والشتم وأمثالها مروا كراما وقالوا سلاما، وكان عدم إشارة أمير المؤمنين عليه السلام وكذا الصديقة الطاهرة عليها السلام إلى أعمال القوم لهذه العلة. وأما شكواها من غصب الخلافة وغصب فدك فإن لهذين الامرين من الأهمية والاعتناء ما ليست لغيرهما. وقضية مالك الأشتر وسخرية رجل ووهنه عليه وعدم اعتنائه له معروفة، فما ظنك بسيده وسيد الموحدين أمير المؤمنين عليه السلام وسيدة نساء العالمين عليها السلام، ولكن شيخنا الأستاذ (رحمه الله) هو أعرف وأبصر بما جاءت به يراعته الشريفة. عليه شآبيب الرحمة) (2).