سر الاجتهاد قبال النص...!
ومن الغريب أن فضل الله قال في العدد 19 من نشرة (فكر وثقافة): (بل هو كتاب كتبته فاطمة كما في بعض الروايات)، ولكنه في جوابه السادس بل وجميع أجوبته المكتوبة والمسجلة لم يذكر حتى رواية واحدة تدل على ما ذهب إليه! وأقصى ما استطاع بلوغه هو (الاستيحاء)! وليس هو في حقيقة الامر إلا الاستحسان والاجتهاد مقابل النص، فإنه - وكما أشرنا إليه - لا توجد أي رواية تذكر أن فاطمة الزهراء عليها السلام هي التي كتبت مصحف فاطمة. فكيف سمح لنفسه أن يجتهد مقابل ما اعترفه به من وجود الروايات الصحيحة؟ وفضلا عن صحتها فهي صريحة في الإفادة، فلماذا يصر على استخدام العبارات الفضفاضة ويقول: (وإن كان الانسان يمكن أن يناقش في متنها)، فهل الروايات التي تحدد كاتب مصحف فاطمة بأمير المؤمنين عليه السلام تتحدث عن طلاسم والغاز؟
وليته اكتفى بمجرد هذا الاجتهاد مقابل النص أو ما يعبر عنه ب (الاستيحاء) لو لم يتعرض للوجه والسر في الاخذ به، ولكننا نجده يقول: (هناك مسيحيون، وهناك شيوعيون، فنقول إن فاطمة كانت أول مؤلفة في الاسلام، أول معارضة في الاسلام، فنحن نريد أن نعظم الزهراء عليها السلام)، فهل إن تعظيم الزهراء عليها السلام أمام الكفار والملحدين يكون بالعمل وفق النصوص الصحيحة الواردة عنهم عليهم السلام وإن لم تستمزجه أذهاننا القاصرة، أم يكون بنسبة أمور لم تصدر عنهم عليهم السلام إليهم لكي نبرز للكفار صورة مشرقة عن موقع الزهراء عليها السلام والمرأة النموذجية في الاسلام أمامهم؟! وكان هذا التعظيم سيزول وسيخدش مقام الزهراء عليها السلام لو لم نثبت تأليفها لمصحفها وإنها أول مؤلفة في الاسلام؟ وهل تغير الوجه المشرق لرسولنا الكريم صلى الله عليه وآله مع إنه لم يكتب في حياته أمام الناس شيئا؟ وهل حط ذلك من قدره؟
تجدر الإشارة إلى أن فضل الله قد ارتكب الكثير من الزلات وقدم الكثير من التنازلات لنفس هذا السبب أي مراعاة ما سيقوله المسيحيون وغيرهم من غير المسلمين، وليس هذا مجال ذكرها.
شبهة ركيكة أما شبهة عدم معقولية نسبة الكتاب إلى شخص مع عدم وجود دخل له فيه فهي أوهن من بيت العنكبوت، إذ يكفي في تصحيح النسبة اختصاص الزهراء عليها السلام بالتحدث بمحتوى المصحف من قبل جبرائيل عليه السلام والملك، وأعظم بها من منقبة ومنزلة!
ولقد نسب الله تعالى كلامه الموجود في الكتب السماوية إلى نفس النبي المرسل بملاحظة هذه العناية، أي عناية من أرسل إليه الكتاب وخوطب بمحتواه، قال تعالى:
(إن هذا لفي الصحف الأولى، صحف إبراهيم وموسى) (1).