وروى الكليني (رضوان الله عليه) بإسناده إلى أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: (ما أنتم والبراءة يبرء بعضكم من بعض، إن المؤمنين بعضهم أفضل من بعض، وبعضهم أكثر صلاة من بعض، وبعضهم أنفذ بصرا من بعض، وهي الدرجات) (1). وعقب المجلسي (قدس سره) على هذا الحديث بقوله: (أي بصيرة كما في بعض النسخ، يعني فهما وفطانة) (2).
الاخبار الدالة على تفاضل الايمان بالمعرفة وفيما قاله المجلسي إشارة إلى أن من جهات التفاضل في الايمان التفاضل في المعرفة والفهم، ويدعهم هذا طوائف من النصوص، منها:
الطائفة الأولى: أخبار تفاوت إيمان سلمان وأبي ذر والمقداد وعمار من حيث الدرجة الايمانية وتقدم سلمان عليهم لرتبته ومستواه في المعرفة.
فقد روى الشيخ المفيد والكشي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لسلمان: (يا سلمان لو عرض علمك على مقداد لكفر) (3)، وروى الفتال النيسابوري المتوفى سنة 508 عن الله عليه السلام قال: (الايمان عشر درجات: فالمقداد في الثامنة، وأبو ذر في التاسعة، وسلمان في العاشرة) (4)، وروى الشيخ المفيد عن عيسى بن حمزة، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: (الحديث الذي جاء في الأربعة؟ قال: وما هو؟ قلت: الأربعة التي اشتاقت إليهم الجنة، قال: هم سلمان وأبو ذر والمقداد وعمار، قلت: فأيهم أفضل؟ قال: سلمان، ثم أطرق، ثم قال: ع لم سلمان علما لو علمه أبو ذر كفر) (5). وروى الكشي عن الامام الصادق عليه السلام، عن أبيه عليهما السلام، قال: (ذكرت التقية يوما عند علي عليه السلام فقال: إن علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله، وقد آخا رسول الله بينهما، فما ظنك بسائر الخلق) (6).
فهذه الأحاديث وغيرها كثير تبين أن الجهة التي رفعت إيمان سلمان عن إيمان غيره كانت فيما يتصل بالفهم والعلم والمعرفة وما هو كائن في القلب، ولم تكن من الأمور المرتبطة بالعمل.
وقد علق المحدث النوري على الأحاديث السابقة بما يلي:
(ثم إن المقصود من تلك الاخبار واضح بعد ما عرفت أن للايمان - ونعني به هنا التصديق التام الخاص بالله وبرسوله والأئمة الأطهار عليهم صلوات الله الملك الجبار - ولمعرفتهم مراتب ودرجات، ولكل مرتبة ودرجة أحكام وحدود مختصة بها ما دام