الله في أمر إلا بدأ بالامام فعرض ذلك عليه، وإن مختلف الملائكة من عند الله تبارك وتعالى إلى صاحب هذا الامر) (1). والسند صحيح بناء على رأي من يذهب إلى توثيق علي بن أبي حمزة البطائني كما عليه الامام الخميني والشيخ المامقاني، أما على رأي السيد الخوئي فالسند ضعيف به. وليست الأحاديث الدالة على تحدث الملائكة للامام علي محدودة بما جاء في مصادر الخاصة فقد وردت في كتب العامة أيضا، وعلى سبيل المثال فقد روى محمد بن أحمد بن تميم التميمي (المتوفى سنة 333 ه) بإسناده إلى ثعلبة الجماني قال: (دخلت على علي بن أبي طالب اليوم الثاني وهو يجود بنفسه مغمى عليه، وأم كلثوم تبكيه، فأفاق وقال: ما هذا الصوت؟ قالوا: أم كلثوم تبكيك؟ قال:
ما يبكيك يا بنية؟ قالت: مما أرى بك يا أمير المؤمنين، قال: أما أنك لو ترين ما أرى ما بكيت، هذا موكب ملائكة السماوات السبع تأتي فوجا فوجا يسلمون على، وهذا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: أمامك خير لك) (2). وعلى هذا فما جاء في صحيحة أبي بصير السابقة بأن مصحف فاطمة (إنما هو شئ أملاها الله وأوحى إليها) لا إشكال فيه لان الوحي أعم من وحي النبوة والالهام وبقية أنواع كما ذكر ذلك الشيخ المفيد.
أما العقل بحد ذاته فليس له سبيل لرفض تحديث الملائكة وجبرائيل لاحد من أوليائه، لان مجال المستقلات العقلية محدود، ولا يمكن أن يشمل مثل هذه القضية فهي ليست مثل مسائل تجسيم الله وتحديده أو بنسبة الظلم إلى الباري عز وجل حتى يستقل العقل برفضها. وهكذا الامر بالنسبة للعقائد المسلمة بين المسلمين.
ونحن نرجو أن لا يكون منشأ استقراب فضل الله للرأي الاخر هو استبعاد هذه الفضيلة والمكرمة لفاطمة الزهراء عليها السلام، فهل إن الزهراء عليها السلام أقل مقاما من السيدة مريم عليها السلام التي تحدث معها جبرائيل عليه السلام مباشرة؟ مع ما ورد من الأحاديث بأنها - أي الزهراء عليها السلام - سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين؟
الملك أم جبرائيل؟
ويحسن الإشارة هنا إلى أن بعض الروايات التي تطرقت لمصحف فاطمة لم تحدد الملك الذي كان يحدث الزهراء بجبرائيل بل أطلقت اسم الملك من غير تحديد (3)، وليس في هذا أي تعارض، وعبارة فضل الله في الشريط المسجل تشعر بوجود تعارض بين رواية تحديد مصدر مصحف فاطمة بالملك، وبين رواية تحديده بجبرائيل عليه السلام، ولكنه في جوابه السادس يصرح بعدم وجود أي مانع من كون الملك هو جبرائيل.
والسر في ذلك إن هذا من موارد الجمع العرفي بين الروايات، وهو ما يعتبره الأصوليون خارج نطاق التعارض في مداليل الروايات، فحيثما كان الجمع العرفي