وروى ابن قولويه عن الامام الصادق عليه السلام إنه قال: (إن البكاء والجزع مكروه للعبد في كل ما جزع ما خلا البكاء والجزع على الحسين بن علي فإنه فيه مأجور) (1) وروى أيضا بإسناده إلى مسمع بن عبد الملك كردين البصري أنه قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: يا مسمع أنت من أهل العراق، أما تأتي قبر الحسين عليه السلام؟ قلت: لا، أنا رجل مشهور عند أهل البصرة، وعندنا من يتبع هوى هذا الخليفة، وعدونا كثير من أهل القبائل من النصاب وغيرهم، ولست آمنهم أن يرفعوا حالي عند ولد سليمان فيمثلون بي، قال لي: أفما تذكر ما صنع به؟ قلت: نعم، قال: فتجزع؟ قلت: إي والله، وأستعبر لذلك حتى يرى أهلي أثر ذلك علي فأمتنع من الطعام حتى يستبين ذلك في وجهي، قال عليه السلام: (رحم الله دمعتك، أما إنك من أهل الجزع لنا...) (2).
كما روى ابن قولويه والشيخ الطوسي عن الامام أبي جعفر الباقر عليه السلام أنه قال:
(... ثم ليندب الحسين عليه السلام ويبكيه ويأمر من في داره بالبكاء عليه، ويقيم في داره مصيبته بإظهار الجزع عليه) (3). واستنادا للأحاديث السابقة أفتى الفقهاء كالسيد الخوئي بجواز الجزع على الامام الحسين عليه السلام بل ذهب بعضهم إلى رجحانه (4).
إلا أن من الأمور التي تدعو للتعجب رد (فضل الله) على آية الله العظمى الميرزا جواد التبريزي (دام ظله) بأنه ينبغي رد علم الحديث الذي يدعو إلى الجزع على الامام الحسين عليه السلام إلى أهله أي الأئمة عليهم السلام، فهذا القول مع ما فيه من تعريض بأحد أبرز أساتذة البحث الخارج في الحوزة العلمية في قم مخالف لما سلكه جميع الفقهاء في مقام استنباط الاحكام، لان رد الحديث إلى أهله إنما يكون بعد التباس الامر وغموض الحديث وصعوبته بما لا يجد الفقيه طريقا لقبوله ولا لرفضه، أما هنا فإنه بعد ورود الحديث الصحيح سندا والصريح دلالة في الاستثناء فما معنى القول بلزوم رد الحديث إلى أهله؟ وما هو دور الفقيه إذن في عملية الاستنباط؟
وعلى سبيل المثال لو ثبت للفقيه بالأدلة القطعية من آيات وروايات التشديد على حرمة الكذب والربا ثم وردت رواية صحيحة تفيد جواز ارتكاب الكذب في حال الاصلاح بين الاخوة وجواز الربا بين الوالد وولده، فهل يعطل عملية الاجتهاد والافتاء بالجواز بحجة أن الكذب قبيح في حد ذاته؟ وإن ما ذهب إليه (فضل الله) ليؤكد على ترسيخ اختياره للاستحسان مقابل الدليل، والاجتهاد مقابل النص وإنه بعيد كل البعد عن الفضل فكيف بالاجتهاد؟! وهل يصح لمثله أن يرد على كلمات فقهائنا في هذا الامر وبهذا المستوى من الاستدلال، (وإن سلمت من الأسد فلا تطمع في صيده).