جواب الشبهة الخامسة وهي ما يمثلها الاعتراض الثالث والرابع لابن رزبهان، وقد أجاب عنهما العلامة الشيخ محمد حسن المظفر (رضوان الله عليه) بقوله:
(وأما ما ذكره في الوجه الثالث: من وجوب دفع الصائل، وفي الوجه الرابع إنه يدل على العجز القادح في صحة الإمامة، فإنما يردان على عثمان حيث ألقى بيده ولم يدافع عن نفسه. وأما أمير المؤمنين عليه السلام فلم يبلغ الامر معه إلى ذلك، ولو بلغ لعلموا من العاجز، فإنه إنما أمر بالسلم حيث يستطيعه) (1).
أقول: ويمكن الإجابة عن هذه الشبهة عبر الرجوع إلى تفاصيل واقعة الهجوم، فقد جاء في رواية سليم: (ودعا عمر بالنار فأضرمها في الباب، ثم دفعه فدخل فاستقبلته فاطمة عليها السلام وصاحت: يا أبتاه يا رسول الله، فرفع عمر السيف وهو في غمده فوجأ به جنبها فصرخت: يا أبتاه، فرفع السوط فضرب به ذراعها، فنادت: يا رسول الله، لبئس ما خلفك أبو بكر وعمر، فوثب علي عليه السلام فأخذ بتلابيبه ثم نتره فصرعه ووجأ أنفه ورقبته وهم بقتله، فذكر قول رسول الله صلى الله عليه وآله وما أوصاه به، فقال: والذي كرم محمدا بالنبوة، يا بن صهاك، لولا كتاب من الله سبق وعهد عهده إلي رسول الله صلى الله عليه وآله لعلمت أنك لا تدخل بيتي.
فأرسل عمر يستغيث فأقبل الناس حتى دخلوا الدار وثار علي عليه السلام إلى سيفه، فرجع قنفذ إلى أبي بكر وهو يتخوف أن يخرج علي عليه السلام بسيفه لما قد عرف من بأسه وشدته. فقال أبو بكر لقنفذ: ارجع فإن خرج وإلا فاقتحم عليه بيته، فإن امتنع فضرم عليهم بيتهم النار، فانطلق قنفذ الملعون فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن، وثار علي عليه السلام إلى سيفه فسبقوه إليه وهم كثيرون، فتناول بعضهم سيوفهم، فكاثروه وضبطوه فألقوا في عنقه حبلا، وحالت بينهم وبينه فاطمة عليها السلام عند باب البيت، فضربها قنفذ الملعون بالسوط فماتت حين ماتت وإن في عضدها كمثل الدملج من ضربته لعنه الله، ثم انطلق بعلي عليه السلام يعتل عتلا... إلخ) (2).
فهذه الرواية تذكر أن الهجوم واقتحام الدار في أول الامر من قبل عمر كان مباغتا، ووجود أجواء التهديد والتوتر قبل ذلك لا يتنافى مع عنصر المباغتة خاصة وأن التهديد المسبق كان مركزا على الاحراق، ولهذا حصل كسر الضلع والضرب بالسوط، ومجموع هذا لا يتجاوز من حيث الزمن نصف الدقيقة وهي فترة كافية لصدور ما حصل من عمر، وأمير المؤمنين عليه السلام بعد سماعه لصراخ الزهراء انقض على عمر دفاعا عن حليلته وكاد أن يقضي عليه لولا أن تداركه قنفذ وجماعته، فلا يصح بعد هذا إثارة شبهة جبن الامام عليه السلام وعدم غيرته والعياذ بالله، لأنه لم يقف متفرجا أمام الاعتداء.