ج - الوجه الثالث: خدمة جبرائيل للامام علي عليه السلام وقيامه بمثل هذه المهمة أمر مستبعد من جهة أن جبرائيل أمين وحي الله، وجليل رتبته عند الله عز وجل مما لا جدال فيه بين المسلمين قاطبة، فكيف يعقل قيامه بمثل هذا الامر وهو مخصوص في النزول على الأنبياء والوحي إليهم دون من سواهم؟
جواب الوجه الثالث:
أما أولا، فقد ذكرنا سابقا في فصل مصدر مصحف فاطمة أن تحدث الملك أو جبرائيل عليه السلام مع شخص وهبوطه عليه ليس فيه مانع لا في الكتاب ولا في السنة وهو لا يلازم النبوة، وقد استشهدنا هناك بأدلة من القرآن والسنة. ويضاف إلى ما ذكرناه هناك روايات أخرى عديدة تدل على أن جبرائيل عليه السلام تحدث مع غير النبي صلى الله عليه وآله، ومنها:
1 - ما رواه الصفار بسند صحيح عن الحسن بن علي، قال: حدثني عبيس بن هاشم، قال: حدثنا كرام بن عمرو الخثعمي، عن عبد الله بن أبي يعفور، قال: (قلت لأبي عبد الله: إنا نقول إن عليا لينكت في قلبه أو ينقر في صدره وأذنه، قال عليه السلام: إن عليا كان محدثا، قال: فلما أكثرت عليه قال عليه السلام: إن عليا كان يوم بني قريظة وبني النضير كان جبرائيل عليه السلام عن يمينه، وميكائيل عليه السلام عن يساره يحدثانه) (1). وروى الصفار نفس مضمون الحديث بسند صحيح أيضا، فقد روى عن محمد بن الحسين، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن عبد الكريم، عن ابن أبي يعفور مثله (2).
2 - وروى الصفار بسند صحيح عن السندي بن محمد ومحمد بن الحسين، عن جعفر بن بشير، عن أبان بن عثمان البجلي، عن أبي بصير قال: (سألت أبا جعفر عن شهادة ولد الزنا تجوز؟ قال: لا، فقلت: الحكم بن عتيبة يزعم إنها تجوز، فقال: اللهم لا تغفر له ذنبه، ما قاله الله للحكم: انه لذكر لك ولقومك وسوف تسئلون، فليذهب الحكم يمينا وشمالا فوالله لا يوجد العلم إلا من أهل بيت نزل عليهم جبرائيل) (3).
والشاهد في الحديث أن الضمير في (عليهم) جاء بصيغة الجمع لا المفرد حتى يعود إلى البيت كي يقال إن المقصود من الحديث من كان في البيت أي النبي صلى الله عليه وآله.
ولا يرد على الحديث أن نزول جبرائيل عليه السلام عليهم كان في الاحكام، إذ قد يكون المراد أن معرفة الحكم الشرعي الواقعي لا يتسنى إلا لمن كانت فيه هذه الخصوصية أي من ينزل جبرائيل عليهم. ويشهد لهذا الحديث ما رواه أحمد بإسناده إلى سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: (ذكر عنده علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: إنكم لتذكرون رجلا يسمع وطء جبرائيل عليه السلام فوق بيته) (4).