الفصل الثالث: مصدر مصحف فاطمة عليها السلام ومثلما ذكر سابقا بأن الزهراء عليها السلام (كانت تكتب ما تسمعه من رسول الله) عاد هنا ليؤكد هذا الامر من جديد بعد أن أضاف إليه احتمالا آخر، فقال: (وإذا كانت بعض الأحاديث تختلف في تقويم هذا المصحف، وبعض الأحاديث تقول أن جبرائيل كان يؤنسها ويحدثها عن أبيها وكان علي يكتب ذلك فإن الرأي الأقرب هو أن مصحف الزهراء هو مجموعة العلوم التي كانت تسمعها من رسول الله فيما كانت تسمعه منه أو فيما كان يحدثها علي عنه، وربما تنقل بعض الأحاديث أن ولدها الحسن وهو طفل صغير كان ينقل إليها ما كان يسمعه من جده رسول الله فتكتبه).
ويشتمل كلامه على أمرين:
الامر الأول: إن هناك أحاديث تقول إن مصدر هذا المصحف هو جبرائيل عليه السلام وكاتبه هو علي عليه السلام ولكن الرأي الأقرب هو خلاف ذلك، ولم يبين فضل الله السر في عدم قبول كون مصدر مصحف فاطمة هو جبرائيل مع ورود الأحاديث به - وهي صحيحة سندا كما أسلفنا - سوى عدم إمكان كون مصحف فاطمة ملهما من قبل الله تعالى للزهراء المرضية عليها السلام لاستلزام ذلك للنبوة كما جاء في الحوار المسجل.
الامر الثاني: ان مصدر هذا المصحف هو الرسول صلى الله عليه وآله فكانت تسمع منه مباشرة أو بوسائط كالامام علي والامام الحسن عليهما السلام.
البحث في الامر الأول أما الامر الأول: ففيه إن عدم قبول رأي معين وردت فيه الروايات لابد أن يكون له وجه معقول حتى لا يكون من باب الرد على الله ورسوله والأئمة الطاهرين، وهذا الوجه يمكن أن نتصوره من خلال الاحتمالات التالية:
1 - إن هذه الروايات ضعيفة الاسناد بينما التي تقابلها صحيحة الاسناد.
2 - إن هذه الروايات تتنافى في مضمونها مع النص القرآني والسنة القطعية والعقل والعقائد المسلمة بين المسلمين.
3 - إن الروايات التي تقابل هذه الروايات مفسرة لها، فيجب حمل هذه على تلك والاحتمالات الثلاثة باطلة بأجمعها.
مناقشة الاحتمال الأول:
أما الاحتمال الأول فقد مر أن الرواية التي أوردها الكليني بإسناده إلى أبي عبيدة صحيحة، يضاف إليها رواية صحيحة أخرى رواها الصفار في بصائر الدرجات بسنده عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد الجمال، عن أحمد بن عمار، عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (... إنما هو شئ أملاها الله وأوحى إليها) (1)