من كثرة الأحاديث المادحة لهما، ونفس الامر ينطبق بالنسبة للروايات الدالة على تحريف القرآن، إذ قامت أدلة قاطعة موجبة للعلم تؤكد عدم وجود التحريف فيه، ولذا فيعرض عن جميع ما ورد مما يدل على التحريف، وبناء على ذلك فقد يبلغ عدد بغض الروايات على أمر ما بحيث لو كانت لوحدها لحصل العلم بها ولكن ترد روايات بنفس الكثرة تخالفها، وحينها لا يتحقق العلم بالتواتر فيهما ولا بد من الفحص عن الواقع من خلال أدلة وقرائن وشواهد أخرى.
إذن الأصل في المستفيض والمتواتر الاخذ به ما لم يحصل قباله دليل علمي مثل تحقق استفاضة أو تواتر يخالفان مضمون الأول، وليس المقام فيما نحن فيه من هذا القبيل، إذ لم يرد دليل قاطع ينفي حصول الاعتداء على الزهراء عليها السلام، ولا يمكن رد المستفيض لمجرد عروض شبهة سخيفة أو علامة استفهام سقيمة، ومنشأ هذا الخبط هو جهل مؤلف (هوامش نقدية) بضابطة قبول الاخبار، (وقد ضل من كانت العميان تهديه).
التخليط لتضييع الحقيقة:
أما الاخر الاخر الذي حاول تشويهه فهو محاولة الخلط بين موضع تشكيك الشيخ كاشف الغطاء وهو خصوص الضرب على الوجه المستلزم للمس يد الأجنبي لوجه الزهراء عليها السلام وبقية ما جرى عليها، وقد استشهد على ذلك بقوله: (ولكن قضية ضرب الزهراء ولطم خدها مما لا يكاد يقبله وجداني ويتقبله عقلي...)، ثم علق قائلا (وهي صريحة في موقفه تجاه الاخبار المشار إليها) (1). وقد أفصح عن محاولة التخليط الفاشلة حينما أنكر بعض مظاهر التعدي على الزهراء عليها السلام عبر التفصيل في تلك المظاهر، مستغلا تفصيله في تضييع بعض تلك المظاهر وإخفاء الحقيقة، فقد قال: (لان موضوع النزاع - فيما أعلم - ليس هو غصب فدك أو محاولة دخول دار فاطمة أو دخوله فعلا أو محاولة الاحراق أو الاحراق فعلا، أو انتهاك حرمة علي عليه السلام...
فإن ذلك كله مما لا يختلف فيه اثنان لا من الشيعة ولا من غيرهم. إنما البحث في ضربها وبالطريقة التي تصورها بعض الروايات بطريقة مذلة مهينة لم يتقبلها وجدان وعقل كاشف الغطاء وغيره لا تبرئة منهم للظالمين بل احتراما لمقام وقدسية الزهراء عليها السلام.
هذا وإن الذي ناقش في ذلك لا ينكر وجود الروايات بل وشهرتها ليقال له إن الروايات مشهورة وقد اشتملت عليها كتب الأصحاب، بل يناقش في مدى صحتها أو الوثوق بها، وفي خصوص الاعتداء بالضرب تحديدا، لا في غيره من مظاهر الاعتداء الأخرى، وكفى بواحدة منها إساءة وجرأة على مقام بيت العصمة عليهم السلام، وخير شاهد يدعم ما أقول هو موقف الشيخ كاشف الغطاء الذي استبعد وقوع الضرب على الزهراء عليها السلام مع أنه أشار إلى شهرة هذا الحادث روائيا واشتمال كتب الأصحاب عليه، ولا تلازم بين الشهرة الروائية والوثوق بها.