فيه، وأما الفرق بين الامام والنبي وبين الرسول، ان الرسول يرى الملك عند إلقاء الحكم والنبي غير الرسول والامام لا يريانه في تلك الحال، وإن رأياه في سائر الأحوال، ويمكن أن يخص الملك الذي لا يريانه بجبرائيل عليه السلام، ويعم الأحوال لكن فيه أيضا منافرة لبعض الروايات، ومع قطع النظر عن الاخبار لعل الفرق بين الأئمة عليهم السلام وغير أولي العزم من الأنبياء أن الأئمة عليهم السلام نواب الرسول صلى الله عليه وآله لا يبلغون إلا بالنيابة، وأما الأنبياء وإن كانوا تابعين لشريعة غيرهم لكنهم مبعوثون بالأصالة وإن كانت تلك النيابة أشرف وأعلى رتبة من تلك الأصالة، وربما يفرق بينهما بأن الملك يلقى إلى النبي على وجه التعليم، وإلى الامام للتنبيه.
وبالجملة لابد لنا من الاذعان بعدم كونهم أنبياء، وإنهم أفضل وأشرف من جميع الأنبياء سوى نبينا صلوات الله عليه وعليهم، ومن ساير الأوصياء عليهم السلام، ولا نعرف سببا لعدم اتصافهم بالنبوة إلا رعاية جلالة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله، ولا يصل عقولنا إلى فرق بين النبوة والإمامة، وما دلت عليه الاخبار فقد عرفته والله يعلم حقائق أحوالهم صلوات الله عليهم.
رأي الشيخ المفيد:
قال الشيخ المفيد (قدس الله روحه) في شرح عقائد الصدوق (رحمه الله): أصل الوحي هو الكلام الخفي، ثم تطلق على كل شئ قصد به إلى إفهام المخاطب على السر له من غيره، والتخصيص له به دون من سواه، فإذا أضيف إلى الله تعالى كان فيما يخص به الرسل خاصة دون من سواهم على عرف الاسلام وشريعة النبي صلى الله عليه وآله، قال تعالى: (وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه) (1)، فاتفق أهل الاسلام على أن الوحي كان رؤيا مناما وكلاما سمعته أم موسى في منامها على الاختصاص، وقال تعالى:
(وأوحى ربك إلى النحل) (2) يريد به الالهام الخفي إذ كان خاصا بمن أفرده دون من سواه، فكان علمه حاصلا للنحل بغير كلام جهر به المتكلم فاسمعه غيره.
وساق (رضوان الله عليه) الكلام إلى أن قال: وقد يري الله في المنام خلقا كثيرا ما يصح تأويله ويثبت حقه لكنه لا يطلق بعد استقرار الشريعة عليه اسم الوحي، ولا يقال في هذا الوقت لمن أطلعه الله على علم شئ أنه يوحى إليه، وعندنا أن الله يسمع الحجج بعد نبيه صلى الله عليه وآله كلاما يلقيه إليهم أي الأوصياء في علم ما يكون، لكنه لا يطلق عليه اسم الوحي لما قدمناه من إجماع المسلمين على أنه لا يوحى لاحد بعد نبينا صلى الله عليه وآله وأنه لا يقال في شئ مما ذكرناه أنه وحي إلى أحد، ولله تعالى أن يبيح إطلاق الكلام أحيانا ويحظره أحيانا ويمنع السمات بشيء حينا ويطلقها حينا، فأما المعاني فإنها لا تتغير عن حقائقها على ما قدمناه. وقال (رحمه الله) في كتاب المقالات: إن العقل لا