ومن باب التشبيه والتقريب في عصرنا الحاضر فإن محاضرات المتحدث وخطاباته والتي يقوم شخص آخر بتدوينها وجمعها في كتاب تنسب إلى المحاضر والخطيب دون المدون بلحاظ هذه العناية، وفي الماضي كانت فكرة كتب الأمالي كأمالي الصدوق والمفيد والطوسي قائمة على هذا الأساس، فينسب الكتاب إلى من سرد الحديث وقرأه لا إلى من كتبه ودونه، فتبادر كون كتاب علي عليه السلام هو لأمير المؤمنين عليه السلام لا يعني بالضرورة كونه كاتبا له ومن تأليفه حتى يقاس عليه الامر بمصحف فاطمة، ولو سلمنا بوجود مثل هذا التبادر فإنه إنما يصح مع عدم وجود النص على خلافه، وحيث قام النص الصريح كما في صحيحة أبي عبيدة وصحيحة حماد بن عثمان على أن الامام علي عليه السلام هو كاتب مصحف فاطمة فلا مجال للقول بالتبادر، فإن التبادر من باب الظهور، والنص مقدم على الظهور بلا شك. هذا كله على فرض أن الامام علي عليه السلام كان يكتب مصحف فاطمة لحظة تحدث جبرائيل لفاطمة عليها السلام بمضمون المصحف كما قد تلمح إليه رواية حماد بن عثمان (1)، أما إذا كانت الكتابة تحصل بعد الفراغ من ذلك بأن تقوم الزهراء بإخبار الامام علي عليه السلام بمضمون حديث جبرائيل فالامر في غاية السهولة.
الجهل بحقيقة التعارض ثم إن فضل الله في تعليقه على جواب الميرزا جواد التبريزي (حفظه الله) ارتكب مغالطة عند محاولته لتصوير التعارض في روايات مصحف فاطمة، حيث أن الروايتين اللتين تتحدثان عن أنه بخط علي عليه السلام عما يحدثه الملك لا تتنافى في متنها مع الروايات التي لا تدل على ذلك، لأنه من شروط التعارض أن يكون هناك تناف بين دلالة كلتا الروايتين أو مدلوليهما - على حسب المبنى -، ولا يوجد أي تعارض وتناف بين إقرار رواية بأمر وبين عدم دلالة رواية أخرى عليه، والتعارض إنما يكون بين إقرار رواية بأمر وإقرار رواية أخرى بما يكون نقيضا للأول، وعلى سبيل المثال فالتعارض يكون محققا بين ما يدل على الوجوب وبين ما يدل على عدم الوجوب أو ما يدل على الحرمة، أما لو دلت رواية على الوجوب ولم تدل رواية أخرى عليه فلا يكون هناك أي تعارض في البين. وفي مفروض الكلام فإن رواية سليمان بن خالد وحبيب الخثعمي لم تنفيا أن يكون كاتب مصحف فاطمة هو الامام علي عليه السلام حتى يقال بأنها متعارضة مع رواية حماد وأبي عبيدة، فما رتب عليه فضل الله بقوله: (فلا بد من الترجيح بينهما) باطل، لأنه مبتن على أساس باطل.
ومثل هذا الخطأ المكشوف يثبت أن فضل الله لم يفهم ما جاء في أول ما يدرس في كتب الحوزة العلمية من كتب أصول الفقه عن حقيقة التعارض وأحكامه (2).