أن يكون معرفتهما وطاعتهما لله وإقرارهما بالنبي صلى الله عليه وآله وقع على وجه يستحق به من الثواب ما يزيد على ثواب كل من عاصرهما سوى جدهما وأبيهما، وقد فرغنا من الكلام في ذلك واستقصيناه في كتاب الإمامة) (1).
فالشيخ الطوسي اعتبر لمعرفة الامامين الحسن والحسين عليهما السلام دورا في استحقاق تلك المنزلة من الله، وفي كلامه أيضا تأكيد على أن صورة العمل وكثرته ليست هي المقياس في أفضليته بل محتواه وحقيقته، وسيأتي كلام مشابه لهذا عن السيد المرتضى (رضوان الله عليه) في الفصل الثاني من هذا الباب عند البحث في أفضلية مولانا الزهراء عليها السلام على بقية النساء.
الطائفة الثانية: الاخبار الدالة على أن حديثهم صعب مستصعب.
وهي أحاديث مستفيضة إن لم نقل أنها متواترة رويت في كتب الحديث وبالأخص بصائر الدرجات والكافي، ومن تلك الاخبار:
1 - روى الصفار في بصائر الدرجات بسند صحيح عن محمد بن الحسين، عن وهيب بن حفص، عن أبي بصير قال: قال أبو جعفر عليه السلام: (حديثنا صعب مستصعب، لا يؤمن به إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد امتحن الله قلبه للايمان، فما عرفت قلوبكم فخذوه، وما أنكرت فردوه إلينا) (2).
2 - روى الكشي بسنده إلى جابر بن يزيد الجعفي قال: قال أبو جعفر عليه السلام: (يا جابر حديثنا صعب مستصعب، أمرد ذكوان، وعر أجرد، لا يحتمله والله إلا نبي مرسل أو ملك مقرب أو مؤمن ممتحن، فإذا ورد عليك يا جابر شئ من أمرنا فلان له قلبك فاحمد الله، وإن أنكرته فرده إلينا أهل البيت، ولا تقل كيف جاء هذا؟ وكيف كان؟ وكيف هو؟ فإن هذا والله الشرك بالله العظيم) (3).
وفي الروايتين تحذير عن رد الأحاديث وإنكارها إذا لم يقدر الانسان على فهمها واستيعابها، فهي من جهة ما تحتويه من أسرار وعلوم رفيعة يقصر من لم يبلغ المراتب العالية من الايمان عن إدراكها، فتهجم عليه موجبات الارتياب وتلتبس عليه الأمور، وعندما تضيق به سبل المعرفة يلجأ إلى إنكار الحديث مع أنه صادر عنهم عليهم السلام إلا أنه لم يكن المخاطب فيه والمقصود إفهامه منه.
وهكذا الامر بالنسبة للقرآن الكريم إذا لم تأت جميع آياته لكي يفهمها عامة الناس (بمختلف مستوياتهم)، ففيه الكثير من الآيات التي لا يفهم حتى ظاهرها الفرد الاعتيادي، بل ولن يقدر على فهمها حتى لو قصد إفهامه لان وعاء معرفته لا يتسع لتلك العلوم والمعارف السامية.