أن يقول أن خير من يونس بن متى). وهو مردود، لان النهي راجع إلى الترجيح من عند أنفسهم لا التفضيل والترجيح الذي أثبته الله تعالى لهم، وقد ذكرنا أن التفضيل بما فضله الله تعالى أمر لابد منه. ويمكن أن يحمل على أصل النبوة والرسالة الإلهية، كما أمرنا بذلك، قال تعالى: (لا نفرق بين أحد من رسله)، والتفضيل في غير ذلك كما بينه الله تعالى في آيات متعددة من القرآن الكريم) (1).
وفيما قالوه الجواب الشافي لمن كان له عقل وفكر سليم، ويلاحظ أن فضل الله في تفسيره هذا للآية المباركة قد ناقض ما سبق أن قاله في أحد كتبه حول المراد من الآية!
فقد قال في كتابه (الحوار في القرآن): (وقد نلتفت ونحن نتابع المشهد في الحركة السريعة التي يتصاعد فيها الايمان ويتعاظم كمثل الطوفان الذي يكتسح أمامه كل معاني القلق والحيرة إلى موقف نوح، في قصة ولده مقارنا بموقف إبراهيم لنرى بعض الفروق والمميزات التي يتميز فيها الأنبياء بإيمانهم وملكاتهم الروحية، وإن كان لكل واحد منهم منزلته وقيمته الكبيرة عند الله، كما في قوله تعالى (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض) (2).
وهذا التناقض كاشف عن أمور كثيرة منها فقدان المبنى والأساس العلمي في الآراء، وأن آراءه لا تعدو الاستحسان والاستمزاج المتبدل مع كل مناسبة، وهكذا يكون الحال مع (رجالة تعتقل الرماح)!
خلاصة الكلام في المسألة الأولى وبما ذكرناه في هذه المسألة يتبين أن ما يعبر عنه فضل الله بأن الخوض في هذا الجانب (ترف فكري سخيف) لهو الكلام السخيف بعينه، وهو يكشف عن جهل قائله بالمعرفة ودورها في رقي درجات الايمان.
والعجيب ان فضل الله الذي اعتبر بحث التفاضل سخيفا قد ناقض نفسه عندما سئل: لماذا سميت فاطمة الزهراء عليها السلام سيدة نساء العالمين، ولماذا لم تسم خديجة بذلك مع ما تملكه من مكانة قبل وبعد الاسلام في نفس الرسول؟ فأجاب: (لان الزهراء عليها السلام هي أفضل من أمها على أساس ملكاتها الروحية ومنزلتها عند الله) (3). وكذلك عندما ذهب إلى تفضيل السيدة زينب عليها السلام على بقية نساء أهل البيت فيما عدا أمها فاطمة الزهراء عليها السلام لأنها تمتلك عناصر للفضل أكثر من غيرها (4).