أما كون الطمث عقوبة فلا وجه للاعتراض عليه، لأنه من المحتمل أن يكون الطمث عقوبة لسارة بعد أن كان تكريما لها كبنت نبي - إن سلمنا بكونها كذلك - وذلك لما ورد في عدة روايات ومنها الصحيح من سوء خلقها مع إبراهيم عليها السلام، فقد روى القمي في تفسيره بسند صحيح عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن هشام، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إن إبراهيم عليه السلام كان نازلا في بادية الشام، فلما ولد له من هاجر إسماعيل اغتمت سارة من ذلك غما شديدا لأنه لم يكن له منها ولد، وكانت تؤذي إبراهيم في هاجر وتغمه، فشكى إبراهيم ذلك إلى الله عز وجل، فأوحى الله إليه إنما مثل المرأة مثل الضلع العوجاء إن تركتها استمتعت بها، وإن أقمتها كسرتها) (1). وليس في هذه الروايات أي محذور، إذ لا مانع من صدور المعصية أو ترك الأولى من بنات أو أولاد أو زوجات الأنبياء عليهم السلام، بل فيها الشاهد على صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، فإن الله عز وجل كان قادرا على أن يرزقها ولدا من غير أن يصيبها الطمث.
الشبهة الثالثة:
وهي الشبهة التي عرضها مؤلف (هوامش نقدية) حيث زعم عدم إمكان الالتزام بما روي في مصباح الأنوار عن الامام الباقر عن آبائه قال: (إنما سميت فاطمة بنت محمد الطاهرة لطهارتها من كل دنس، وطهارتها من كل رفث، وما رأت قط يوما حمرة ولا نفاسا) (2). وتتلخص الشبهة في أنه قد جاء في اللغة والروايات أن المقصود بالرفث هو الجماع (3)، وتنزيها عنه من الأمور الباطلة، وبالتالي يجب إسقاط الرواية عن الاعتبار.
جواب الشبهة الثالثة: إن الرفث لم يستخدم في اللغة والروايات بمعنى الجماع فقط، بل استخدم أيضا بمعنى الفحش في القول أو الكذب كما جاء في كلمات أهل اللغة والحديث (4)، ولا يوجد أي محذور من حمل الكلمة على المعنى الثاني. ثم إنه على فرض وجود ما علم ببطلانه في الحديث فإن هذا لا يوجب إلغاء وإسقاط الحديث كلية، بل يقتصر في الاسقاط على المقطع المعلوم بطلانه، وسيأتي الكلام فيه عن السيد الخوئي في مبحث مصحف فاطمة (5). ويبدو أن مؤلف (الهوامش) لجهله بهذه المسألة اعترض على السيد جعفر مرتضى لعدم ذكره المقطع الذي يشير إلى ذلك في الرواية واتهمه بالتدليس! (6).