ورد من الروايات المتضمنة لكون المؤمن كفؤ المؤمنة كفاية في نفي أفضلية الزوج (1)، وإن كانت هناك أفضلية فليست بمعنى الأفضلية والقرب من الله عز وجل، نظير تفضيل الزوج على الزوجة في القيمومة، ولولا وجود أدلة خاصة على أفضلية أمير المؤمنين على جميع الخلق بعد رسول الله لما كان القول بتساويهما استنادا لهذا الحديث بعيدا.
ب - حديث استسرار النبي صلى الله عليه وآله للزهراء عليها السلام في مرض وفاته:
وهو الحديث الذي رواه الفريقان ويدل على أن الزهراء عليها السلام دخلت على النبي صلى الله عليه وآله في مرض وفاته، فلما أخبرها بقرب وفاته بكت، ثم لما أسر في أذنها أنها أول أهلها لحوقا به ضحكت وسرت.
وقد قال العلامة الأربلي تعليقا على هذا الحديث:
(هذا الحديث قد ورد من عدة طرق وقد دل بمضمونه على أن فاطمة عليها السلام هي سليلة النبوة ورضيعة در الكرم والأبوة، ودرة صدق الفخار، وغرة شمس النهار، وذبالة مشكاة الأنوار، وصفوة الشرف والجود، وواسطة قلادة الوجود، نقطة دائرة المفاخر قمر هالة المآثر، الزهرة الزهراء، والغرة الغراء، العالية المحل، الحالة في رتبة العلاء السامية، المكانة المكينة في عالم السماء، المضيئة النور المنيرة الضياء، المستغنية باسمها عن حدها ووسمها، قرة عين أبيها وقرار قلب أمها، الحالية بجواهر علاها، العاطلة من زخرف دنياها، أمة الله وسيدة النساء، جمال الاباء وشرف الأبناء، يفخر آدم بمكانها ويبوح نوح بشدة شأنها، ويسمو إبراهيم بكونها من نسله، وينجح إسماعيل على اخوته إذ هي فرع أصله، وكانت ريحانة محمد من بين أهله فما يجاريها في مفخر إلا مغلب، ولا يباريها في مجد إلا مؤنب، ولا يجحد حقها إلا مأفون، ولا يصرف عنها وجه إخلاصه إلا مغبون.
وبيان ذلك وتفصيل جمله: إن الطباع البشرية مجبولة على كراهة الموت، مطبوعة على النفور منه، محبة للحياة مايلة إليها، حتى الأنبياء عليهم السلام على أشرف مقاديرهم وعظم أخطارهم ومكانتهم من الله تعالى ومنازلهم من محال قدسه، وعلمهم بما تؤول إليه أحوالهم وتنتهي إليه أمورهم أحبوا الحياة ومالوا إليها وكرهوا الموت ونفروا منه، وقصة آدم عليه السلام مع طول عمره وامتداد أيام حياته معلومة). ثم نقل الأربلي بعض ما نقل عن سيرة بعض الأنبياء العظام كداود ونوح وموسى وإبراهيم على نبينا وعليهم الصلاة والسلام تحكي كراهتهم للموت، ثم عقب على ذلك قائلا: (فهؤلاء الأنبياء عليهم السلام وهم ممن عرفت شرفهم وعلا شأنهم وارتفاع مكانهم ومحلهم في الآخرة، وقد عرفوا ذلك وأبت طباعهم البشرية إلا الرغبة في الحياة، وفاطمة عليها السلام امرأة حديثة عهد بصبي ذات أولاد صغار وبعل كريم، لم تقض من الدنيا إربا وهي في غضارة عمرها وعنفوان شبابها، يعرفها أبوها أنها سريعة اللحاق به فتسلو موت أبيها صلى الله عليه وآله وتضحك طيبة نفسها