السادس وإن قال بعدم وجود مانع من كون الملك هو جبرائيل ولكنه ضعف رواية أبي عبيدة ورواية حماد بن عثمان الدالتين ع لي تحدث جبرائيل والملك معها، وفي كتاب الندوة جعل المتحدث مع فاطمة عليها السلام مرددا بين جبرائيل عليه السلام أو ملك آخر، ويبدو أنه فرارا من إثبات تحدث جبرائيل معها على وجه الخصوص استنكر في الحوار المسجل ذلك معتمدا على الربط والتلازم ما بين كون مصحف فاطمة ملهما من قبل الله تعالى ومنزلا من عنده سبحانه وبين كون الزهراء نبية!
واستنكاره وربطه ليس في محله فإننا نعلم أن الذي يميز النبي عن غيره ليس هو في تحدث جبرائيل عليه السلام معه، فكما أشرنا وردت بعض الآيات القرآنية التي تنص على تحدث جبرائيل مع غير الأنبياء، ونعلم أيضا أن التحدث بما يشكل في مجموعه كتابا ومصحفا ليس هو الميزان في كون المتحدث إليه نبيا والمتحدث به كتابا سماويا كالتوراة والإنجيل والقرآن، فإن الكتاب السماوي هو الكتاب الذي يوحى بمضمونه إلى النبي بعنوان كونه نبيا وبعنوان إنه الكتاب المرسل به، أما مجرد أن يلهم غير النبي بأمر في غير الاحكام الشرعية ثم تدوين ذلك في كتاب فلا يلازم النبوة أصلا. نعم ذهب القرطبي إلى أن مريم عليها السلام نبيه مستدلا على ذلك بأن الله أوحى إليها بواسطة الملك (1)، ولكنه رأي مرفوض من قبل علماء الامامية بالاتفاق، ولم يقل أحد منهم بالتلازم بين النبوة والوحي حتى يقال بإنكار نزول الوحي على فاطمة لأنه مستلزم للنبوة، مع ما في القول بنبوتها أيضا خرق لضرورة دينية وهي عدم وجود نبي بعد خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله.
جواب الامام الخميني:
قال الامام الخميني: (إنني أرى نفسي قاصرا عن التحدث حول السيدة الصديقة عليها السلام، وأكتفي بذكر رواية منقولة بسند معتبر في الكافي الشريف، وتلك الرواية هي إن الامام الصادق عليه السلام قال: (إن فاطمة مكثت بعد رسول الله خمسة وسبعين يوما، وكان يدخلها حزن شديد على أبيها، وكان جبرائيل يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها، ويطيب نفسها، ويخبرها عن أبيها ومكانه، ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها، وكان علي عليه السلام يكتب ذلك) (2). وظاهر الرواية انه كانت تحصل مراودة خلال هذه الخمسة والسبعين يوما، أي إن هبوط جبرائيل وصعوده كان كثيرا، ولا أظن إنه قد ورد في حق أحد غير الطبقة الأولى من الأنبياء العظام مثل ما ورد في شأنها من أن جبرائيل الأمين وخلال مدة خمسة وسبعين يوما كان يهبط عليها ويذكر لها القضايا التي ستقع في المستقبل وما سيجري على ذريتها، وكان الأمير يكتب ذلك، وكما كان أمير المؤمنين كاتبا لوحي رسول الله فقد كان كاتبا لوحي السيدة الصديقة خلال الخمسة والسبعين يوما، وبالطبع فإن الوحي بمعنى الاتيان بالاحكام قد انتهى بموت الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله.