هل يمكن الجمع بين الروايات السابقة؟
وبمقارنة بين أسانيد هاتين الطائفتين من الاخبار يتضح حالهما، فإن الرواية الثانية من الطائفة الأولى صحيحة السند وهي معضودة ببقية الروايات الموافقة لها في المضمون وخاصة الرواية الثانية عشر على مبنى الامام الخميني والمامقاني، ويبقى النظر في دلالتهما، والبادي للنظر أن الجمع بين دلالتيهما غير ممكن، لان الطائفة الأولى تؤكد أنه لا يوجد في مصحف فاطمة من القرآن آية واحدة بل حرف واحد، بينما تؤكد الطائفة الثانية أن فيه الآية مع تأويلها باستثناء الرواية الأولى التي سيأتي الكلام حولها.
ومن المناسب هنا أن ننقل ما ذكره العلامة المجلسي في مرآة العقول عند تعليقه على عبارة (ما فيه من قرآنكم حرف واحد) الواردة في صحيحة أبي بصير، قال:
(أي فيه علم بما كان وما يكون. فإن قلت: في القرآن أيضا بعض الاخبار؟ قلت:
لعله لم يذكر فيه ما في القرآن. فإن قلت: يظهر من بعض الأخبار اشتمال مصحف فاطمة عليها السلام أيضا على الاحكام؟ قلت: لعل فيه ما ليس في القرآن. فإن قلت: قد ورد في كثير من الاخبار اشتمال القرآن على جميع الاحكام والاخبار مما كان أو يكون؟
قلت: لعل المراد به ما نفهم لا ما يفهمون منه، ولذا قال عليه السلام: قرآنكم) (1).
وبناء على هذا الكلام فهناك وجه يمكن احتماله للجمع وهو أن يقال: انه لا يوجد في مصحف فاطمة آية قرآنية واحدة، لكن فيه ما يختص بالقرآن من علوم لا يعرفها الناس ويعرفها المعصومون عليهم السلام، ويناسب هذا الجمع رواية دلائل الإمامة التي جاء فيها (وفيه علم القرآن كما انزل وعلم التوراة كما أنزلت وعلم الإنجيل كما انزل وعلم الزبور...)، ولا يخفى أن هذا الجمع لا يلتئم مع الرواية الثانية والثالثة من الطائفة الثانية التي تنص على أن في مصحف فاطمة الآيات القرآنية. وكيف كان، فالأولى للتفصي عن هذا التعارض - لو قبلنا بأسانيد الطائفة الثانية - هو أن نقول بوجود مصحف آخر لفاطمة الزهراء عليها السلام فيه القرآن مع تأويله.