شبهة إرادة الشاهد من الشهيد:
وقد يقول معترض: إن كلمة الشهيد كما أن جاءت في القرآن الكريم والأحاديث بمعنى المقتول في سبيل الله فكذلك استعملت بمعنى الشاهد على الشئ والشاهد على العمل، وقد وردت في القرآن الكريم آيات كثيرة استعمل فيها كلمة الشهيد في المعنى الثاني، مثل قوله تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) (1)، وقوله عز وجل: (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا) (2)، وقوله سبحانه: (هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس) (3)، بل يمكن الادعاء بسهولة إن أكثر موارد استخدامها في القرآن بالمعنى الثاني، ولا توجد في الرواية قرينة تحدد المقصود من كلمة الشهيد، فهي مجملة من هذه الجهة ولا يصح الاستدلال بها، هذا إن لم يقال إنها ظاهرة في معنى الشاهد على الاعمال بأن تكون الزهراء عليها السلام شاهدة في يوم القيامة على أعمال المؤمنين والجاحدين.
كلام للراغب والطريحي:
وتمهيدا للجواب على هذا الاعتراض يحسن أن ننقل ما جاء في كتابي المفردات في غريب القرآن ومجمع البحرين في بعض ما جاء في مادة (شهد) مما يرتبط بالمقام.
قال الراغب الأصفهاني: (الشهود والشهادة: الحضور مع المشاهدة إما بالبصر أو البصرة...، والشهادة قول صادر عن علم حصل بمشاهدة بصير أو بصر... ويقال شاهد وشهيد وشهداء... وأما الشهيد فقد يقال للشاهد والمشاهد للشئ، وقوله تعالى:
(سائق وشهيد) أي من شهد له وعليه، وكذا قوله تعالى: (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا)... والشهيد هو المحتضر، فتسميته بذلك لحضور الملائكة إياه إشارة إلى ما قال: (تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا...) الآية، قال: (والشهداء عند ربهم لهم أجرهم)، أو لأنهم يشهدون في تلك الحالة ما أعد لهم من النعيم، أو لأنهم تشهد أرواحهم عند الله، كما قال: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا...) الآية (4).
وقال الطريحي:... قوله: (لتكونوا شهداء على الناس) (5) روي أن الأمم يوم القيامة يجحدون تبليغ الأنبياء، فيطلب الله الأنبياء بالبينة على أنهم قد بلغوا، فيؤتى بأمة محمد صلى الله عليه وآله فيشهدون لهم عليهم السلام وهو يزكيهم.