الايراد السادس: ذهب فقهاء الامامية إلى أن البكاء على الميت جائز بل راجح في بعض الأحيان، وفي هذا يقول السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي:
(يجوز البكاء على الميت ولو كان مع الصوت، بل قد يكون راجحا كما إذا كان مسكنا للحزن وحرقة القلب بشرط أن لا يكون منافيا للرضا بقضاء الله، ولا فرق بين الرحم وغيره، بل قد مر استحباب البكاء على المؤمن، بل يستفاد من بعض الاخبار جواز البكاء على الأليف الضال، والخبر الذي ينقل من أن الميت يعذب ببكاء أهله ضعيف مناف لقوله تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) (1). وقد اتفق جميع المراجع على هذا الحكم، وسيأتي أن للامام الخميني تعليقا على بعض فقرات النص السابق.
وذكر السيد الخوئي في أبحاثه الفقهية أدلة جواز البكاء على الميت بقوله (ثالثا):
(الاخبار الواردة في أن النبي صلى الله عليه وآله بكى على إبراهيم وقال: (تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب)، وبكى صلى الله عليه وآله أيضا على جعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة، وكذلك بكت الصديقة عليها السلام على رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى أبيها (صلوات الله عليه وآله)، وبكى علي بن الحسين عليه السلام على شهداء الطف مدة مديدة بل عدت الصديقة الطاهرة وزين العابدين عليهما السلام من البكائين الخمسة لكثرة بكائهما، بل ورد الامر بالبكاء عند وجدان الوجد على الميت في رواية الصيقل، فراجع) (2).
وكذلك ذهب الفقهاء إلى جواز النوح على الميت، وفيه يقول السيد اليزدي: (يجوز النوح على الميت بالنظم والنثر ما لم يتضمن الكذب وما لم يكن مشتملا على الويل والثبور) (3). والمسألة موضع اتفاق فيما بين المحشين على العروة الوثقى من المراجع العظام، والمراد بالنوح هو رثاء الميت والبكاء عليه، ويتحقق عادة باجتماع الافراد حول النائح والنائحة، وقد قال السيد الخوئي في أدلة جوازه:
(للأصل والسيرة، كما تقدم في المسألة السابقة - أي البكاء على الميت -، ولان النياحة لو كانت محرمة لوصلت إلينا حرمتها بالتواتر، بل ورد أن فاطمة الزهراء عليها السلام ناحت على أبيها صلى الله عليه وآله، وأوصى الباقر والصادق عليهما السلام بأن يقيم عليه النياحة في منى عشر سنوات... نعم ذهب أبو حمزة والشيخ (قدس سرهما) إلى حرمة النياحة، وادعى الشيخ الاجماع عليها في مبسوطه، إلا أن هذه الدعوى غير قابلة التصديق منه (قدس سره) حيث أن جواز النياحة مما يلتزم به المشهور، فكيف يقوم معه الاجماع على حرمتها؟! ولعله أراد بالنياحة النياحة المرسومة عند العرب، ولا إشكال في حرمتها لاشتمالها على الكذب، حيث كانوا يصفون الميت بأوصاف غير واجد لها في حياته