الفصل الثالث: طهارة الزهراء عليها السلام وأحب في البداية أن أؤكد أنني لم أكن لأطرق هذا الباب لولا ما رأيته من الأدلة والروايات التي صدرت عن رسول الله صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام أنفسهم في هذا الخصوص، فإن هذا الباب مما يخجل المحب الخوض فيه، وما أردت بإقرار صفة البتول والطاهرة للزهراء عليها السلام إلا إثبات واحدة من فضائلها التي أنكرها الجاهل وظن أنها ليست ذا قيمة تذكر.
البتول في اللغة:
وكلمة (البتول) من مادة (بتل) وهي تدل على إبانة الشيء عن غيره وتمييزه عنه، يقال: بتلت الشيء إذا أبنته من غيره، ويقال: طلقها بتة بتلة، والتبتل يعني الانقطاع، قال تعالى: (وتبتل إليه تبتيلا) (1)، أي انقطع عن الدنيا إليه وأخلص إليه إخلاصا (2).
أما معنى (البتول) فقد قال الخليل بن أحمد الفراهيدي المتوفى سنة 175 ه:
(والبتول كل امرأة تنقبض عن الرجال فلا حاجة لها فيهم ولا شهوة) (3).
وقال أحمد بن فارس بن زكريا (المتوفى سنة 395 ه): (ومنه يقال لمريم البتول لأنها انفردت فلم يكن لها زوج) (4).
وقال محمد بن يعقوب الفيروزآبادي (المتوفى سنة 817 ه): (والبتول المنقطعة عن الرجال، ومرين العذراء رضي الله تعالى عنها كالبتيل، وفاطمة بنت سيد المرسلين عليهما الصلاة والسلام لانقطاعها عن نساء زمانها ونساء الأمة فضلا ودينا وحسبا) (5).
وقال محمد بن مكرم بن منظور (المتوفى سنة 711 ه): (والبتول من النساء:
المنقطعة عن الرجال لا أرب لها فيهم، وبهذا سميت مريم أم المسيح على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وقالوا لمريم العذراء البتول والبتيل لذلك، في التهذيب لتركها التزويج، والبتول من النساء: العذراء المنقطعة من الأزواج... وسئل أحمد بن يحيى عن فاطمة رضوان الله عليها بنت سيدنا رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم:
لم قيل لها البتول؟ فقال: لانقطاعها عن نساء أهل زمانها ونساء الأمة عفافا وفضلا ودينا وحسبا) (6).