غفلة أم تغافل؟
ومما يثير العجب والدهشة تشبيه (فضل الله) مسألة ظلامة الزهراء عليها السلام بالاختلاف الوارد في سنة ولادتها، فهو قد تغافل عن فرقين مهمين:
الأول: عدم وجود اختلاف في مسألة ما وقع على الزهراء من الظلم، بخلاف تاريخ ولادتها أو وفاتها فقد حصل فيه الترديد والاختلاف.
الثاني: إنه قياس مع الفارق، فمما لا يختلف فيه أحد أن الآثار والنتائج المترتبة على إثبات أو نفي ما وقع على الزهراء عليها السلام من الضرب وكسر الضلع وإسقاط الجنين بالإضافة إلى قضية أحزانها، أهم بكثير من النتائج المترتبة على الاختلاف في تاريخ ولادتها وبشكل لا يقبل القياس، وإن التساوي بين هذين يشبه التساوي بين اعتبار الاختلاف في تاريخ ولادة الامام الحسين عليه السلام كالاختلاف في أصل استشهاده! (ويحمي جوابيه نقيق الضفدع).
وبعد كل هذا فإن فضل الله لا يولي أي اهتمام لمسألة إثبات ما وقع عليا الزهراء عليها السلام من الظلم لأنه ليس هناك مشكلة - على حد تعبيره في الجواب الخامس - حتى يغوص الانسان في هذه القضايا، وإن هذه المقولة لهي تبسيط غير أمين للقضية، لان ظلامة الزهراء عليها السلام هي أكبر علامة محسوسة لجميع المسلمين تدلهم على وجود مشكلة وتضع على ما حدث أضخم علامة استفهام تلفت الأذهان.
إن عقولنا القاصرة لن تستطيع تصور بعض جوانب أهمية ما جرى على الزهراء عليها السلام وعظم ذلك فضلا عن إدراك حقيقته، ولكن تلك المصيبة أشغلت فكر الامام الجواد عليه السلام وملأت قلبه من الغضب والنقمة الإلهية، فقد روى الطبري الامامي (رضوان الله عليه) عن أبي الحسين محمد بن هارون بن موسى، قال: حدثنا أبي، قال: أخبرني أبو جعفر محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، قال:
حدثني زكريا بن آدم، قال: (إني لعند الرضا عليه السلام إذ جيء بأبي جعفر عليه السلام وسنة أقل من أربع سنين، فضرب بيده إلى الأرض، ورفع رأسه إلى السماء فأطال الفكر، فقال له الرضا عليه السلام: بنفسي أنت، لم طال فكرك؟ فقال عليه السلام: فيما صنع بأمي فاطمة عليها السلام، أما والله لأخرجنهما ثم لأحرقنهما، ثم لأذرينهما ثم لأنسفنهما في اليم نسفا، فاستدناه وقبل ما بين عينيه، ثم قال: بأبي أنت وأمي، أنت لها، يعني الإمامة) (1).