تقليل أهمية الاحتجاج الزينبي العظيم أو لجهات أخرى، بل يمكن القول أن من المقطوع به أن وجه الامتناع لا يعود للجهة المذكورة، كيف وقد ارتكب جيشه الذي سيره لقتال الامام الحسين عليه السلام من تجاوزات على نساء آل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله ما يهتز له عرض الرحمن عز وجل، فقد روى الشيخ الصدوق بإسناده إلى فاطمة بنت الحسين عليه السلام أنها قالت: (دخلت الغانمة (العامة) علينا الفسطاط، وأنا جارية صغيرة وفي رجلي خلخالان من ذهب، فجعل رجل يفض الخلخالين من رجلي وهو يبكي فقلت: ما يبكيك يا عدو الله؟ فقال: كيف لا أبكي وأنا أسلب ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله، فقلت: لا تسلبني، فقال: أخاف أن يجيء غيري فيأخذه! قالت: وانتهبوا ما في الابنية حتى كانوا ينزعون الملاحف عن ظهورنا) (1). وقال حميد بن مسلم: (فوالله لقد كانت المرأة من نسائه وبناته وأهله تنازع ثوبها عن ظهرها حتى تغلب عليه فتذهب بها منها) (2). أما ضرب النساء في يوم كربلاء فقد نقل العلامة المجلسي عن فاطمة الصغرى رواية تدل على تلقيها وعمتها زينب بنت علي عليهما السلام الضرب بالسياط وكعب الرماح (3).
وهل يتورع الذين قتلوا الامام الحسين عليه السلام وارتكبوا أعظم جريمة على وجه المعمورة عن ضرب النساء؟! وهل كانت بعد سبيهم لحرم الرسول صلى الله عليه وآله وهن حواسر من بلد إلى بلد عادة تمنعهم أو جدان يردعهم؟
عادات لم يلتزم بها العرب:
وإذا كان استبعاد ذلك الضرب لمجرد وجود عادة عند العرب في أيام الجاهلية، فإن هناك العديد من عادات الجاهلية التي داسوها تحت أقدامهم، فقد روى الشيخ الصدوق بسند معتبر عند البعض عن جعفر بن محمد بن مسرور، قال: حدثنا الحسين بن محمد بن عامر، عن عمه عبد الله بن عامر، عن إبراهيم بن أبي محمود، قال: قال الرضا عليه السلام: (إن المحرم شهر كان أهل الجاهلية يحرمون فيه القتال فاستحلت فيه دماؤنا، وهتك فيه حرمتنا، وسبي فيه ذرارينا ونساؤها، وأضرمت النيران في مضاربنا، وانتهب ما فيها من ثقالنا، ولم ترع لرسول الله صلى الله عليه وآله حرمة في أمرنا) (4).
ومحل الخلاف في السند إنما هو في جعفر بن محمد بن مسرور الذي ترحم وترضى عليه الشيخ الصدوق في عدة مواضع، وقد ذهب المامقاني وآخرون إلى توثيقه بينما أهمله الامام الخميني والسيد الخوئي. وكذلك روى الشيخ الصدوق بسند معتبر عند البعض عن محمد بن علي ماجيلويه، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الريان بن شبيب، قال: (دخلت على الرضا عليه السلام في أول يوم من المحرم...،