وروي عن علي عليه السلام أنه قال: (إيانا عني، فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شاهد علينا ونحن شهداء الله على خلقه وحجته في أرضه...، وفي حديث وصف علي عليه السلام، (مضيت للذي كنت عليه شهيدا ومستشهدا ومشهودا) والمراد من الشهيد المعنى المعروف، ومن المستشهد المطلوب منه الشهادة، كان الله أمره بها وطلبها منه، ومن المشهود الذي يشهد قتله الخلائق والملائكة كما في قوله تعالى: (إن قرآن الفجر كان مشهودا)، وفي حديث ذكر الشهيد (وهو من مات بين يدي نبي أو إمام معصوم أو قتل في جهاد سائغ)، قيل سمي بذلك لان ملائكة الرحمن تشهده، فهو شهيد بمعنى مشهود، وقيل لان الله وملائكته شهود له في الجنة، وقيل لأنه ممن استشهد يوم القيامة مع النبي صلى الله عليه وآله على الأمم الخالية، وقيل لأنه لم يمت كأنه شاهد أي حاضر، أو لقيامة بشهادة الحق في الله حتى قتل، أو لأنه يشهد ما أعد الله له من الكرامة وغيره لا يشهدها إلى يوم القيامة، فهو فعيل بمعنى فاعل.
والشهيد من أسمائه تعالى، وهو الذي لا يغيب عنه شيء، والشاهد: الحاضر، وفعيل من أبنية المبالغة في فاعل، فإذا اعتبر العلم مطلقا فهو العليم، وإذا أضيف إلى الأمور الباطنة فهو الخبير، وإذا أضيف إلى الأمور الظاهرة فهو الشهيد) (1).
جواب الشبهة:
ودفعا لهذا الاعتراض نقول:
أما أولا: فإن الآيات القرآنية التي جاءت فيها كلمة الشهيد بمعنى الشاهد لم تكن خالية عن القرائن المحفوفة باللفظ والمحددة للمراد، والآيات السابقة شاهد صدق على ذلك، أما كثرة استعمال اللفظ في معنى فإنه لا يجعل ذلك المعنى هو الظاهر والمراد من اللفظ مع عدم وجود القرينة، فدعوى استظهار إرادة معنى الشاهد على الشيء من كلمة الشهيد غير تامة.
نعم ذهب العلامة الطباطبائي في الميزان إلى استظهار معنى الشاهد من كلمة الشهيد في قوله تعالى: (ومن يطع الله ورسوله فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين) (2)، ولكن هذا الاستظهار يخالف ظهور مكاتبة عبد الله بن جندب للامام الرضا عليه السلام، ونحن نذكرها بطولها لما فيها من المعاني الجليلة، ولما فيها من الرد على بعض الجهلة الذين أنزلوا أهل البيت من مقاماتهم، واعتبروا القول ببعضها من الغلو.
فقد قال علي بن إبراهيم في قوله: (الله نور السماوات والأرض) - إلى قوله - (والله بكل شيء عليم) (3): فإنه حدثني أبي، عن عبد الله بن جندب، قال: كتبت