وسكت الناس وتحيروا لذلك، فنق نقيقا سمعه كثير منهم، ثم انه زال عن مكانه وأمير المؤمنين عليه السلام يحرك شفتيه والثعبان كالمصغي إليه، ثم أنساب وكأن الأرض ابتلعته وعاد أمير المؤمنين عليه السلام إلى خطبته فتممها، فلما فرغ منها ونزل اجتمع الناس إليه يسألونه عن حال الثعبان والأعجوبة فيه، فقال لهم: ليس ذلك كما ظننتم، إنما هو حاكم من حكام الجن التبست عليه قضية فصار إلي يستفهمني عنها فأفهمته إياها، ودعى لي بخير وانصرف.
فصل: وربما استبعد جهال من الناس ظهور الجن في صور الحيوان الذي ليس بناطق وذلك معروف عند العرب قبل البعثة وبعدها وقد تناصرت به الاخبار من أهل الاسلام، وليس ذلك بأبعد مما اجتمع عليه أهل القبلة من ظهور إبليس لأهل دار الندوة في صورة شيخ من أهل نجد واجتماعه معهم في الرأي على المكر برسول الله صلى الله عليه وآله، وظهوره يوم بدر للمشركين في صورة سراقة بن جعشم المدلجي، وقوله: (لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم) قال الله عز وجل: (فلما ترائت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب). وكل من رام الطعن في ما ذكرناه من هذه الآيات فإنما يقول في ذلك على مثال قول الملحدة وأصناف الكفار من مخالفي الملة ويطعن فيها بمثل ما طعنوا في آيات النبي صلى الله عليه وآله، وكلهم راجعون إلى طعون البراهمة الزنادقة في آيات الرسل عليهم السلام والحجة عليهم في ثبوت النبوة وصحة المعجز لرسل الله صلى الله عليهم وسلم) (1).
(وقد قطعت جهيزة قول كل خطيب)، فقد وضع الشيخ المفيد (رضوان الله عليه) بما ذكره النقاط على الحروف، وحدد الخانة والموقع الذي تنطلق منه شبهة فضل الله، فهي تتفق في مضمونها مع شبهات الملاحدة والبراهمة، ونحن وإن لم نقطع بأنها صدرت عن نصب وعمد لابطال فضائل أمير المؤمنين عليه السلام، ولكنها صدرت عن الجهل بلا شك، ومن جهال الناس على حد تعبير الشيخ المفيد.
ابن حجر ومعجزة رد الشمس:
إن تناول المعجزات من جهة منافاتها مع العقل بالمنظور الذي ينظر إليه فضل الله لن يبقي لنا حتى المعجزات التي أقر بها غيرنا من أهل العامة، فها هو ابن حجر العسقلاني يقول حول معجزة رد الشمس لأمير المؤمنين عليه السلام: (روى الطحاوي والطبراني في الكبير والحاكم البيهقي في الدلائل عن أسماء بنت عميس: إنه دعا - أي النبي صلى الله عليه وآله - لما نام على ركبة علي ففاتته صلاة العصر فردت الشمس حتى صلى علي ثم غربت، وهذا أبلغ في المعجزة، وقد أخطأ ابن الجوزي بإيراده له في الموضوعات، وهكذا ابن تيمية في كتاب الرد على الروافض في زعم وضعه، والله أعلم) (2).